يقترح الشعر، دائما، انفتاحه غير المحدود على طرق أدائية متعددة، بدءا من ما يجتهد به الشاعر، مفرداً، على منصة، ليضيف إلى نصه المكتوب إيماءات لم يكتبها ونبرة صوت لا يحملها السطر على الورقة، حتى "ديكورات" مسرحية أو لغوية أو صوتية (كالموسيقى المصاحبة) وربما خلفية سينمائية ما، على أن الأمر برمته هو إضافات من داخل النص أو من خارجه في محاولة لإضفاء مؤثرات لإغناء النص وتعميق تأثيره، إذ لم تعد قراءة القصيدة على الورق بكافية، ولا الإلقاء المنبري، التقليدي، بقادر على التأثير المطلوب، إذ لم يعد الشاعر عود ثقاب يبحث عن كبريت يختفي في أكف المستمعين لتشتعل القاعة بالتصفيق.ابتكر شعراء عراقيون طريقة أخرى لإغناء نصوصهم، لكنها لا تمت للاستعراض بصلة، ولا تبحث عن ذلك الكبريت الخبيء في أكف الجمهور، بل هي "حركة" احتجاجية تنتقل بين الشارع العام والساحة المعروفة والقفر المترامي، فضاءات لوجود الناس أو غيابهم، عبر وجود موضوعي، مرئي، لشعراء يقدمون نصوصا خشنة بأفكار صلبة ونبرة صريحة، في محاولة للخروج بالقصيدة المتداولة من ميوعتها وديكورها الكلامي وأوجاعها الذهنية.اختار الشعراء أحمد ضياء، أحمد جبور، علي ذرب، مازن المعموري، حسن تحسين، كاظم خنجر، وسام علي، علي تاج الدين، محمد كريم، أن يرتدي بعضهم، أو كلهم، تلك البدلة البرتقالية الشهيرة التي ظهر فيها ضحايا "داعش" تحت سيوف وبلطات الذباحين، وهم داخل قفص.صورتهم هذه ملمح سينمائي أو تلفزيوني أو مسرحي يحاول الذهاب بالنص إلى أبعد سنتمتر في حنجرته المثقوبة.حسناً، ولكن ما الذي تقوله النصوص نفسها؟أعتقد أن الجوهري يكمن هنا.مفردات القول وترميزاته تنبثق من ركام الدمار: دمار الأمكنة والنفوس والإدراكات والمدركات.. لتصبح "الكلمة الشعرية" تشبه ما يحدث: الرعب الشامل... وإذ أضع "الكلمة الشعرية" بين قويسات فهي إشارة إلى التباس العبارة، فما هي "الكلمة الشعرية"؟ كل كلمة هي شعرية إذا أحسن الشاعر وضعها في مكانها الصحيح من القصيدة. حتى لو كانت هذه الكلمة بحجم وعمق ومساحة غرزة إبرة فهي ضرورية جدا في نسيج القماش الفسيح.لا رهان على الجمهور، فالشعر، أصلاً، لعبة نخبوية، غير أن الاقتراب من المشهد الحي، لغةً وتجسيداً وحركةً، يتصدى لفكرة الحرب مشهداً سينمائياً، والموت تمثيلاً في مسلسل تلفزيوني، لأنهما، الحرب والموت، صارا مشهداً حياً (LIVE) على الأرض المحروقة ثم في الفضائيات ووسائل التواصل الاجتماعي بأنواعها، فلماذا لا تحمل قصائدنا، إذن، سحنة الوقت المفخخ وسوق الخضار القتيل وبيت المواطن المحاصر؟ سبق أن دعوت، أكثر من مرة، إلى ما سميتها "قصيدة طوارئ" متلبسة باليومي والتوثيقي والتسجيلي، من دون التنازل عن شرطها الجمالي.. ولا أدري إذا ما قرأ دعوتي أحد، أو بعض، أعضاء "ميليشيا الثقافة" وهذه ملاحظة عابرة، لكنني وجدت من يستجيب للضرورات الحياتية لا الضرورات الشعرية.
من هنا أقدم طلب انتسابي لهذه الميليشيا.مسوغات الطلب: ما وجدته فيكم من صورتي الأولى في قصيدتي الأولى عندما كتبت ذات ظهيرة بغدادية عام 1973: "أحتج على عصرٍ يغسلُ ذاكرتي
أحتج على عصرٍ لا يذبحني فيه الجزارُ
على وفق الطرقِ القانونية...
وأطالبُ أن أحلقَ ذقني
وأصففُ شعري
قبل الذبحِ،
فغداً سأقابلُ أصحابي"...
ملاحظتان:
1: لون البدلات البرتقالي التي يرتديها الشعراء اقتباس من فكرة "داعش" التي اقتبسها الداعشيون من سجن "غوانتانامو"، ولا أراها تنسجم مع "أهداف" ميليشيا الثقافة".
2: "ميليشيا الثقافة": الثقافة تعبير عن مجموع الأنشطة الاجتماعية في ميدان العلوم والفنون والآداب والحياة العامة للمجموعة البشرية، فهل ثمة نية لتوسيع النشاط وتنويعه ليشمل أصنافاً أخرى غير الشعر الذي انطلقت به المجموعة؟
رغم هاتين الملاحظتين أتمسك بحقي في طلب الانتساب لأنال فرصتي في قراءة قصائدي عند المقابر الجماعية وحقول الألغام.
ميليشيا الثقافة.. طلب انتساب
[post-views]
نشر في: 21 ديسمبر, 2015: 09:01 م