التشاؤم يكاد ان يكون من أبرز أمراضنا كعراقيين. لا نستطيع الفرح إلا اذا مزجناه بشيء من الأسى والحزن. المواوويل هي طربنا المفضل، والأبوذية والعتابة شعرنا الاقرب الى أرواحنا. لا نرى سوى النصف الفارغ من الكأس، ولا يشدنا سوى الجانب المظلم والمأساوي من حياتنا.
أعترف أنني كنت طيلة العام الماضي كذلك، بحكم التعاطي اليومي مع الاخبار المحبطة والمؤلمة. ماذا تنتظرون من صحفي يتداول أخبار الموت والقتل والحروب على مدار الساعة طيلة الـ 365 يوما؟ أصبحنا نقلب الاخبار كجثث، وأحيانا كجثث مشوهة لأحبة. ألم أحدثكم عن "اضطراب" نعاني منه نحن معاشر الصحفيين!
الواقعية تُفرض، شئنا أم أبينا، أن ننهي هذا العام بشيء من التفاؤل. فهناك الكثير مما يدعو لكسر طوق التشاؤم الذي يمنعنا من رصد المؤشرات الايجابية من حولنا.
ماذا كسبنا من التهويل الممنهج الذي تتبناه بعض وسائل الاعلام طيلة السنوات الماضية، سوى قتل روح المبادرة، وإشاعة روح اليأس والتفكير بأنانية محضة. كل أزماتنا باتت معروفة للقاصي والداني، فحتى صغارنا أصبحوا خبراء بمشاكل الموازنة، وتداعيات الازمة المالية وهبوط أسعار النفط، ولايخجلون من تقديم اقتراحاتهم لتحريك اقتصادنا الكاسد، او معالجة الفساد ووالخ.
في هذا السياق يمكن الإشارة الى إحصائيات وزارة التخطيط الاخيرة التي كشفت عن إن 61 % من نفوس العراق، 38 مليون نسمة، هم دون سن 30 عاماً.
ما يثير الانتباه في هذه الاحصائية التي تشير الى أن 40% من العراقيين هم من مواليد ما بعد 2002. أي إنهم جيل لا يعرف صدام ولا يتذكر حرب إيران. إنهم جيل الفيسبوك والإيفون الذي لا يهتم بالمحاصصة السياسية ولا التوازن الطائفي، ولا يلتفت لشيء أسمه الاستحقاق الطائفي او القومي. نحن نواجه جيلا يبحث عن حياة إنبهر بها في شوارع اسطنبول وبيروت وطهران، وهو لا يرى فرقا بينه وبين أقرانه في تلك المدن.
مؤشرات التنمية العالمية، تضع العراق في خانة "الدول الشابة" على الرغم من الحروب وأعمال العنف التي يعاني منها منذ 2003. تخيلوا حجم الطاقة التي يعج بها هؤلاء الشباب، وكيف سيكون مستقبل هذا البلد لو وضعت الخطط المناسبة لاستثمارهم.
أحيانا يعتبر الشباب "قنبلة موقوتة"، لجهة احتياجاتهم وتطلعاتهم المختلفة والملحّة والصعبة نوعا ما، لكنهم في العراق تحوّلوا الى بديل حقيقي في لحظات غياب الدولة وعجزها. فكلنا شاهد آلاف من هؤلاء الشباب وهم يهرعون للدفاع عن بلدهم بوجه أخطر تهديد ارهابي. وكلنا يشاهد فرق المتطوعين الذين انخرطوا بعشرات المنظمات والمبادرات التي أغاثت النازحين، وناهضت خطاب الكراهية والتحريض، وعملت على مساعدة الشرائح الفقيرة التي لم تغير من حياتها الموازنات الانفجارية.
ليس من قبيل المثالية أبداً، اذا ما قلنا أن هذا الجيل الشاب هو الذي يحمل مفاتيح التغيير بالاعتماد على عقليته المختلفة عن جيل الأباء الذين كانوا عيالاً على الدولة ونفطها. وتتضاعف أهمية هذا الجيل لانه يتحلى بمستوى مقبول من التعليم العالي، وإن الإناث يشكلّن نسبة الثلثين تقريبا في الجامعات ودوائر الدولة.
على المستوى الاقتصادي، فنحن نمر بفترة ركود كبيرة منذ أكثر من عام، قد تشتد في 2016، لكننا لم نشهد طوابير السيارات وهي تزدحم على أبواب محطات الوقود، كما حدث ذلك في بعض الدول التي أعلنت مؤخرا رفع جزءٍ من الدعم الحكومي للخدمات.
لم تكن سنة وردية لنا كعراقيين، لكنها لم تكن قاتمة فهناك ضوء دائما.
عن جيل الفيسبوك والإيفون
[post-views]
نشر في: 30 ديسمبر, 2015: 09:01 م