لازالت الساعات تمر بصعوبة في معارك الرمادي، لكن كل المؤشرات تؤكد ان داعش مستعدة لهزيمة كبيرة، وكان خطاب خليفتهم واضحا في هذا الاطار، كما ان الشباب المقاتلين في الجيش يريدون إعادة الاعتبار لهيبة الدولة بأي ثمن، والفخر يعلو على وجوههم عبر رموز واضحة فهمها الجميع، ولهذا ايضا أمكن القول بحصول أوسع إجماع عراقي على شرعية المعركة، رغم كل الانقسام.
لكن النشوة بكل هذه المعاني المشروعة لا يصاحبها حتى الآن تقدم سياسي يذكر، لا في السياسة البغدادية ولا في الفوضى الاقليمية المعجونة بالغضب، ولا في مواقف التحالف الدولي التي ظلت تراوح مكانها في معظم المقاربات السياسية.
الكثير ممن كانوا يطلبون التباطؤ في الحرب، انما كانوا يطلبون ترتيبات سياسية تسبق المعارك. فالحرب تبدأ باتفاقات لكي تجري ادارة التضحيات وحماية الانتصارات. اما نحن فقد ذهبنا نحو المعركة بلا اتفاقات. وهكذا بقيت اسئلتنا بدون أجوبة، فكيف سندير الأمن والسياسة وحقوق الانسان في الرمادي، بحيث نصحح اخطاء مرحلة المالكي؟ لم تصبح هذه الاستفهامات مادة لسجال جدي بعد. وهذا الفراغ خطير سيجري ملؤه بارتجال حكومي، وسيرد عليه بتسرع اجتماعي وسياسي مضاد، ولا نعلم اي بيئة من الاحتجاج الجديد ستنشأ في الرمادي وغدا في الموصل، وهو غضب تستغله نظائر داعش وامثالها اسرع مما نتصور. ولهذا ظل حلفاؤنا المتعقلون يقولون ان بغداد لا تدير معركة ميدانية بل عملا سياسيا يجب ان يكون حاذقا لبناء المستقبل السياسي للموصل والرمادي. وهذا بدأ فعليا مع وصول حيدر العبادي الى السلطة، ثم توقف وصرنا في لحظة انجماد تطول وتستطيل.
وماذا عن تكريت وقد كان يفترض ان تكون اول تجربة للتحرير وبناء مستقبل سياسي معاكس لن ينتج العنف. وهل درسنا نموذجها بشكل مناسب؟ وهل عادت هيبة النظام السياسي هناك بشكل مقنع؟ وهل توفرت العدالة التي تمتص الغضب، والتسامح الذي تحتاجه المجتمعات المحتربة؟ انا شخصيا لا اشعر بالتفاؤل حين أدرس حالة تكريت. ولذلك اعتقد ان الفرصة الاكبر تكمن في نموذج الرمادي، وان الوقت لم يفت بعد، لكن المزيد من تأجيل المشاكل السياسية ذات الصلة سيتحول الى عنصر مزعزع للاستقرار، وقد يجعلنا نخسر الرمادي ثانية، لان الجيوش تكر وتفر وتصعد وتنزل، والمجتمعات انما تصمد بالارادة والتماسك المستندين للشعور بالرضا. وهذا أمر يعاني في الانبار من عقدة "بزيبز" وسنوات من اللاتفاهم الدموي أحيانا.
لقد كنا نقول ان انهيارنا على يد داعش كان صدمة سياسية كبيرة يفترض ان توقظ العزائم وتدفع نحو تدبير جديد وشجاع. وفي لحظة انتصار جيشنا في الرمادي الذي يمكن ان يحوله الساسة الى ورطة جديدة، سنختبر مستقبلنا السياسي برمته، لنرى هل سنكرر خطايا نوري المالكي، ام نكون قادرين على الابتكار والمبادرة واثبات ان نظامنا السياسي ولد من جديد.
الامر لن يحصل في ساعتين او بضغة زر، لكننا نترقب اشارة البدء
الرمادي ورطة للجميع
[post-views]
نشر في: 2 يناير, 2016: 09:01 م