TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > فجر عراقي جديد

فجر عراقي جديد

نشر في: 2 يناير, 2016: 09:01 م

بغداد استقبلت العام الجديد كما لم تستقبله في حياتها على الإطلاق، بل كما لم تستقبله أية مدينة أخرى. في الماضي لم أحيَ ليلة بغدادية كهذه، وعلى مدى ثلاثة عقود تنقّلت فيها بين بلدان مختلفة وشهدت إحتفالات الأعوام الجديدة في عواصم عدة، فلم يحصل أنني شهدت احتفالاً كالذي عشته هذه المرة في بغداد.
تميّز احتفاء البغادّة بالعام الجديد بأن الناس كلهم تقريباً تدفّقوا إلى الشوارع والساحات كسيول الفيضان (أمانة بغداد قدّرت عديد المحتفلين في الهواء الطلق بأربعة ملايين نسمة) .. في المدن الأخرى، وفي بغداد الماضي أيضاً، يجتمع معظم الناس عادة في الأماكن المغلقة للاحتفال بالعام الجديد: البيوت والمطاعم والبارات والنوادي، فيما تقتصر الاحتفالات الجماعية الكبيرة على أماكن محددة هي التي يجري فيها إطلاق الألعاب النارية.. هنا في بغداد صارت الشوارع والساحات كلها تقريباً ميداناً للرقص والغناء وللالعاب النارية.
ما معنى هذا كله؟
معناه أن فجراً عراقياً جديداً قد تبيّن خيطه الأبيض، وأن العراقيين الذين حُبِسوا عقوداً متصلة في قمقم الدكتاتورية، ثم وجدوا أنفسهم لنحو ثلاث عشرة سنة بعد ذلك وقد حُشِروا بين مطرقة الإرهاب وسندان التديين الإجباري، قد اكتشفوا في أنفسهم هذه المرة القدرة على فكّ القيود والإنطلاق إلى فضاء الحرية والحياة البهيجة التي حُرموا منها مديداً وانتظروها طويلاً.
هذا الإكتشاف الجمعي يعود الفضل فيه إلى جهتين إثنتين، الأولى حركة النشطاء المدنيين الذين بادروا بإطلاق موجة المظاهرات الإحتجاجية قبل خمسة أشهر وأداموها بإيثار وكفاءة حتى اليوم. هذه الحركة جرّأت مئات الآلاف من العراقيين على ممارسة واحد من حقوقهم الأساس التي ضمنها الدستور وألزم الدولة بكفالتها، هو حق التعبير عن الرأي بشتى الأشكال والوسائل. قبل موجة التظاهرات هذه التي نجحت في هزّ كيان الطبقة السياسية الحاكمة وبثّ مشاعر الهلع والاضطراب في نفوسها، كان العراقيون مسكونين بالخوف من عسف السلطة وقمعها لهم إذا ما تحركوا مطالبين بإصلاح النظام السياسي الفاشل ومكافحة الفساد الإداري والمالي المنفلت وتوفير الخدمات الأساس، ففي العام 2011 لم تتورع الحكومة عن الإفراط في استخدام القوة الغاشمة لقمع الحركة الاحتجاجية التي اندلعت آنئذ على نحو عفوي أيضاً.
ما اختلف هذه المرة أن رئيس الحكومة الحالية، حيدر العبادي، كان أعقل من أن يتصرف على طريقة سلفه حيال الحركة الاحتجاجية، وهو بهذا كان الجهة الثانية التي لا مناص من نسبة الفضل إليها في تشجيع البغادّة وسواهم من أهالي المدن الأخرى على التمتّع بحريتهم والإفصاح عن حبهم للحياة البهيجة في ليلة رأس السنة، وقبلها في ليلة الميلاد تضامناً من مواطنيهم المسيحيين.
ثمة رسالة مهمة أخرى تضمّنها الاحتفاء الحماسي للعراقيين بالعام الجديد .. الرسالة موجهة الى متشددي الأحزاب الإسلامية والهيئات الدينية، فحواها أن لا أمل ولا رجاء في مساعيهم للتعامل مع الدين كما لو كان خدمة عسكرية إجبارية تستدعي إرسال الانضباطية الى كل مكان، وحمل الناس على التديّن الإلزامي، وبخاصة المتشدد والمتعصب والمتطرف المناهض للفطرة الإنسانية والمتعارض مع النزوع إلى الحياة السلمية الرخيّة ... إنهم يستهلكون طاقات ويستنزفون ثروات في ما لا جدوى منه ولا طائل فيه.  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. نبيل يونس دمان

    سلم اليراع بيدك استاذ عدنان حسين

  2. ابو سجاد

    لكلا الشخصين العبادي والمختار طريقة يتعامل بها ---المختار تعامل بطريقة الوقوف بوجه التظاهرات مباشرتا والعبادي سيسها لصالحه بوعوده الكاذبة التي ضحك بها على المتظاهرين وهاهي النتيجة معاقبتها بقطع الرواتب لترقيع فتق الاقتصاد المنهار بدل من ان يسترد المليار

  3. د عادل على

    والفجر والليال العشر والشفع والوتر ----وليس من البعث خبرى وصدام فى القبر -----حردان غرق فى البحر-------عماش مشوش الفكر -----سننهى ابا بكر ------والداعش خطر فى خطر ------سياتى يوم النصر ---والموصل عمرى -----والرمادى فخرى -----------سلام هى الى مطلع الف

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram