TOP

جريدة المدى > سينما > قران عدسته مع نص إبراهيم أحمد ولّد أنصع "قطن"..لؤي فاضل عبّاس ابن جيل لم يُفصح بعد عن كل ما عنده

قران عدسته مع نص إبراهيم أحمد ولّد أنصع "قطن"..لؤي فاضل عبّاس ابن جيل لم يُفصح بعد عن كل ما عنده

نشر في: 7 يناير, 2016: 12:01 ص

ينتمي المخرج العراقي الشاب لؤي فاضل عبّاس إلى ذلك الجيل من العراقيين الذين خبروا الحرب أكثر من غيرهم، فهو، وإنْ لم يرتدِ البزّة العسكرية المقيتة في تلك الآونة، ولم يتعفّر بغبار ودماء جبهات الحرب، فقد ولد وترعرع وعاش الحرب على جلده واكتوى بجميع آثارها

ينتمي المخرج العراقي الشاب لؤي فاضل عبّاس إلى ذلك الجيل من العراقيين الذين خبروا الحرب أكثر من غيرهم، فهو، وإنْ لم يرتدِ البزّة العسكرية المقيتة في تلك الآونة، ولم يتعفّر بغبار ودماء جبهات الحرب، فقد ولد وترعرع وعاش الحرب على جلده واكتوى بجميع آثارها. فعندما ولد كانت إحدى حروب العراق دائرة، وحين شبّ وتعلّم كانت حرب أُخرى دائرة، وحين بلغ الشباب ودخل مرحلة الرجولة، كانت حرب أخرى أيضاً تدور رحاها.. كانت هناك دائماً حربٌ أخرى، لكنها مستمرّة، تغيّرت فيها الوجوه واختلفت الخنادق أو إحداثيات المدافع، لكنّها بقيت حرباً ضروسا وطاحنة أحرقت، وما تزال تحرق أجيالاً وثروات هائلة.
لؤي فاضل ينتمي إلى ذلك الجيل الذي لم يعش الطفولة كما ينبغي، ولم يعش المراهقة، كما هي حال كل المراهقين في أية بقعة من بقاع الأرض. جيلٌ خَبِرَ الأشياء وشاهد الكثير، لكنّه لم يقل بعدُ إلاّ القليل ولم يُفصح إلاّ عن نيفٍ ممّا يختزن.
وحين تُقابل لؤي فاضل، تلمس في قامته المربوعة وسحنته السمراء، وكأنك أمام عامل بناء نزل للتوّ من «السِكلّة» أو مُصلّح سيارات نزع عن جلده للتوّ بدلة العمل الزرقاء وغادر شارع «الشيخ عمر» صوب «الباب الشرقي» و «السعدون»، لكنّ ما أن تُحادثه حتى ترى الابتسامة تهرب منه إليك قبل وصول كلماته، وما أن يستمع إلى عزف موسيقى حتى ترى كل خليّة فيه تتراقص، وكأن طاقة، أجبرها الزمان على الاختزان في ذلك الجسد، بدأت رحلة الهرب صوب الآخرين.
إنّه، كما قلت، ابن لذلك الجيل الذي تخونه الشجاعة عندما يقف أمام الكاميرا أو حين يشاهد المايكروفون قرب فمه، لكنّه، وهو ابن ذلك الجيل، يمتلك مقداراً هائلاً من الجرأة والشجاعة لرواية مكتنزات جيله وحياته الشخصية عندما يقف وراء الكاميرا.
لؤي فاضل هو الأقرب والأجرأ إلى ذلك العالم، كونه لم يُغادر قطّ، عالم الطفولة والصبا، بل احتفظ بهما في داخله للحظات الفرح النادرة والقليلة، وليستخدمهما لقول ما يُريد عندما يُمسك بقياد عمل سينمائي.
وهكذا كان عندما تناول قصّة قصيرة للكاتب العراقي الرائع (إبراهيم أحمد) وأنجز منه شريطه الروائي القصير «قطن»، عادت مفردات الحياة والموت والطفولة والمراهقة والبلوغ لتجتمع فيه معاً وتمنح المشاهد عملاً دافئاً بدفء شمس الخريف في الجنوب العراقي.
مشهد قاحل زاد المطر الهاطل في الليلة السابقة من قتامة البنّي في التراب الذي يؤطر جانبَيْ الشارع الإسفلتي النحيف.
ثمة حركة مُتّجهة من الشرق إلى الغرب، من مطلع الشمس إلى مغربها، وثمة حركة أخرى تُشبه حالة المخاض أو ميلاد شيء حي.
في الحركة الأولى ثمة تابوت مربوط على سقف عربة آهلة بذوي الميّت المحمول إلى مثواه الأخير. وثمة في الحركة الثانية فتاة صغيرة، راعية شابة في لحظة ميلادها الثاني، أي لحظة تكوّنها امرأةً..
موت، ميلاد وحياة.. الموت راحلٌ محمولاً والحياة متحرّكة، دائرة ومتجدّدة، وكما جميع الأشياء لا تولد من العدم ولا تنتهي أو تفنى إلى العدم، فثمة ريحٌ تُلاعب غطاء التابوت وتُطيّر خصلات من القطن الأبيض الذي غُلّفت به جنبات تابوت الميّت المحمول، وهي ذات الريح التي تُسقط القطن بين يدي الفتاة، لتوقف به نزف الدم الأكثر دلالة على الحياة، إنه نزيف دم يغادر جسد المرأة ليُجدّد خصوبتها وقدرتها على منح التواصل والاستمرار لبني البشر، فهي، أي المرأة، كما الأرض تنزف ما في جوفها لتمنحه للثمر المولود من رحمها، وتجفّ لتُزهر وتورق وتينع من جديد بعد دورة عام..
لا كلمة تُنطق في هذا الفيلم ويُصبح الصمت أعمق بلاغة من أية لغة، وحبكة القص في الشريط عالية، استقت قوّتها من النص الذي كتبه إبراهيم أحمد. وهذا العمل أنموذج يدعوني إلى الإلحاح على المخرجين الشباب للاستعانة بنصوص هذا الكاتب المتميّز وزملائه الآخرين من كتّاب القصّة العراقيين والعرب، لأن تلك النصوص ستوفّر لهم قاعدة انطلاق هامّة، وأساساً رائعاً ومُحكماً للعمل الذي يُنجزونه.
لؤي فاضل مشروع مخرج سينمائي يمتلك قدرة عالية على قصّ حكاية. أوليسَت مهمة الفيلم الأولى قصّ حكاية!؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram