"اعتنوا بهذا الشاب وامنحوه فرصته فقد لمسنا فيه حساً سينمائياً وموهبة تحتاج الى عنايتكم".. هذا ما قالته الروائية الانكليزية الشهيرة اجاثا كريستي في افتتاح المتحف العراقي أواسط الخمسينات في بغداد برفقة زوجها عالم الآثار مالوان.
الشاب الذي كانت تعنيه كريستي هو محمد شكري جميل الذي ولج كل الأبواب للدخول الى السينما.. جرّب في بداية الخمسينات الدخول الى معهد الفنون الجميلة حيث لم يكن هناك قسم للسينما، يدخل الموسيقى ثم يغادر المعهد الى غير رجعة بعد سنة واحدة.
من الوحدة الخاصة بالإنتاج السينمائي كانت البداية، وكانت الفرصة التي تعرف فيها على كريستي ونبوءتها بحقه، مارس التصوير والمونتاج.. ثم الى انكلترا ليدرس السينما ويحصل على الدبلوم ليعود مونتيرا ثم مخرجا.
قبل البداية الحقيقية مع السينما، كانت له بداية اخرى هي إخراجه افلاما بشكل غريب وطريف.. ففي طفولته أهداه والده آله عرض سينمائية تعمل بالكهرباء.. وفيلما لا يتجاوز الدقيقتين.. مع صديق يجمع قصاصات الافلام المرمية والمتروكة في النفايات.. وحتى يخرج فيلمه الغريب كان يجمع هذه القصاصات ويلصق بعضها ببعض.. والنتيجة خليط عجيب من قصاصات دون رابط منطقي..
اكثر من ستة عقود من الزمن.. قضاها محمد شكري جميل مع السينما تبدأ بالدراسة في لندن حيث العمل في غرفة المونتاج وفي ستوديو (أمغول) الذي كان ينتج افلام روبن هود ثم الى شركة (فيلم هاوس) ثم الى القاهرة في شركة الانتاج العربي التي كان يديرها صلاح ابو سيف.
محمد شكري جميل.. تعيش الفيلم معه فيحدثك عن موقف او شخصية او فكرة او حركة كأنك تعيش الفيلم مثله.. من ليس قريبا من محمد شكري جميل سيجده صعبا. تحتاج قبل ان تكتشفه ان تمارس رحلة معرفة به..
بدأ من دراسته في انكلترا ثم لقائه بأجاثا كريستي ،ولنقل بعمر 17 عاما، وهو يجلس قرب المخرج والمونتير جون شيرمان الذي قال له: ان الفيلم مثل عجينة من الطين التي يستخدمها النحات لصنع نموذج تمثال وعندما تضع السينما بين يديك بهذا الشكل ستدرك قيمة هذا الفنان.
ثم انتقل الى رئيس وحدة المونتاج في مصلحة السينما والمسرح والأفلام الوثائقية.. قبل ان يشارك يوسف جرجيس حمد في إخراج فيلم (أبو هيلة) الذي كتب له السيناريو ايضا.. ثم التجربة غير الناجحة له في فيلم (شايف خير).
ثم ليخوض التجربة الثالثة (الظامئون) الذي كان فيلما متماسكا قويا بكل تفاصيله ويتمتع بقيمة فنية وفكرية تجعل منه اثرا كبيرا والذي حصل على جائزة اتحاد النقاد السينمائيين السوفييت في مهرجان موسكو . ثم التجربة الرابعة (الأسوار) التي حصد بها الجائزة الذهبية لمهرجان دمشق الدولي عام 1980 ، وبعد الاسوار (المسألة الكبرى)، وقبل (الملك غازي) ، (عرس عراقي) و(اللعبة).
في رأيي المتواضع ، كان فيلم (الظامئون) افضل ما انتجته السينما العراقية حتى منتصف السبعينات اضافة الى فيلم (الحارس) لخليل شوقي .. وكان فيلم (المسألة الكبرى) هو الفيلم الاعلى انتاجا في تاريخ السينما العراقية.
محمد شكري جميل تحدث بمرارة امس في الاحتفال الذي اقيم لتكريمه في ملتقى الاذاعة والتلفزيون ، عن المصاعب التي تكتنف فيلمه الاخير (المسرات والأوجاع) الذي موّل ضمن مشروع بغداد عاصمة للثقافة العراقية.. حيث ان الفيلم مازال (مرهوناً) لدى شكة ايرانية للطبع والتحميض والتي ترفض اطلاق سراحه قبل دفع مستحقاتهم المالية.. والفيلم الذي رصدت له ميزانية هي الاكبر في المشروع وجد انه لم يستطع تلبية حقوق هذه الشركة ..!!
لم تسستطع أية جهة ان تحل هذا الاشكال الذي يبدو انه سيفتح الباب أمام أوجه الصرف المشكوك فيها من مبلغ (الميزانية).
محمد شكري جميل ، بعد ستين عاما من رحلته في الابداع السينمائي يستحق ان يرى الجمهور عمله الاخير . يستحق ان يكون جديرا بنبوءة أجاثا كريستي.
محمد شكري جميل
نشر في: 6 يناير, 2016: 09:01 م










