TOP

جريدة المدى > سينما > مايكل نيوتن يتحدث عن رؤية هذا المخرج المتفرّدة.. هرتزوغ منتجاً

مايكل نيوتن يتحدث عن رؤية هذا المخرج المتفرّدة.. هرتزوغ منتجاً

نشر في: 7 يناير, 2016: 12:01 ص

بالنسبة لرجل ’’ شبكته الاجتماعية ‘‘ طاولة مطبخه، شخصية فرنر هرتزوغ حاضرة بوفرة على الانترنت. يمكنك رؤيته ( في لقاء تمّ مونتاجه على نحو مضلل) متحدثا بنبرة مأساوية عن (( شناعة الحماقة )) للهيبسترز "الناس الذين يتبعون آخر صيحات ا

بالنسبة لرجل ’’ شبكته الاجتماعية ‘‘ طاولة مطبخه، شخصية فرنر هرتزوغ حاضرة بوفرة على الانترنت. يمكنك رؤيته ( في لقاء تمّ مونتاجه على نحو مضلل) متحدثا بنبرة مأساوية عن (( شناعة الحماقة )) للهيبسترز "الناس الذين يتبعون آخر صيحات الموضة" والجمهوريين. (في الأصل كانت المناقشة تدور حول الدجاج. ) وهو هنا ( أو بالأحرى أحد ما يمثل شخصيته )، صوت فقط، يترنم حول الحِدّة الكئيبة لـ"أين والدو" "كتاب للأطفال للانكليزي مارتن هاندفورد ". ( حاز هذا الكْليب على اكثـر من مليون مشاهد على اليوتوب. ) والأكثـر إثارة للإهتمام هو ظهوره في الفيلم القصير للمخرج لس بلانك ( هذه المرة بشخصه الحقيقي ) وهو يأكل حذاءه احتفالا بالإنجاز الناجح لفيلم ايرول موريس " أبواب الفردوس " ( 1978 ).
بينما الحذاء يغلي، يخاطب هرتزوغ الجمهور الذي حضر الحفل قائلا أن صناعة السينما تجعل من فنانيها مهرّجين، كما حدث لاورسن ولز، و، كما يقول، حتى لفرانسوا تريفو. ويمكن أن يبدو أن  وسائل الإعلام حوّلت فعلا هرتزوغ الى مهرّج، من ألماني طراز مبدئي مفرط الجدّية الى ’’ Ahrtist ‘‘ [ فنان ] ساخر، مضحك.
كما لو أن الغمّ الواضح لرؤيته عن العالم يحثنا على القهقهة عليه. يمكن مشاهدة هرتزوغ اونلاين، يُطلق عليه الرصاص من أير- رايفل [ بندقية تطلق الرصاص باستخدام الهواء المضغوط ] قنّاص أثناء مقابلة مع مارك كرمود. الى حد ما، من الصعب تخيّل حدوث أشياء مثل هذه لأي مخرج شهير آخر، وحتى أكثر صعوبة. تخيّل إنها كانت تُجابَه بثبات هرتزوغ اللامبالي، المتشائم. ( يقول هو: ((لا أفاجأ إن يُطلق عليّ الرصاص. )) ) تماما قبل أن تصيبه بندقية القناص تلك، كان هرتزوغ يقول في المقابلة: (( في ألمانيا... لا أحد يهتم بأفلامي. )) في مكان آخر، هي بلا شك محط اهتمام، وإن ليس بالقدر الذي يجب ان تكون عليه؛ لأن مهرّج تلك الكليبات في اليوتوب هو أيضا صانع لبعض من أكثر الإفلام إلهاما وإرباكا في الخمسين سنة الأخيرة.
في فيلم " رجل رمادي " ( 2005 )، الذي هو جزئيا طِباق للرؤية الديزنية [ نسبة الى والت ديزني ]، العذبة عن الطبيعة التي يحملها بطل محب للدببة، يصرّح هرتزوغ بكآبة: (( أعتقد ان القاسم المشترك للكون هو ليس الهارمونية، بل الفوضى، العدائية والقتل. )) ليس من المفاجئ أن واحدا من الأشياء الأخيرة التي قام بها إيان كورتيس [ مغنٍ انكليزي ]، عضو فرقة  جوي ديفيشون، قبل أن يشنق نفسه كان مشاهدة فيلم هرتزوغ " ستروشيك " ( 1977 ). لو مُنِح مخرج غيره فرصة التصوير في انتاركتيكا [ المنطقة المحيطة بالقطب الجنوبي ] لربما كان استسلم لإغراء نَسْخ الفتنة المجسّمة في فيلم الاوسكار " مسيرة طيور البطريق ". لكن " لقاءات على حافة العالم " ( 2007 ) يتوجه بعيدا عن الإغراء بقدر الإمكان، وعندما يستسلم في النهاية لإغراء الطيور، يركز هرتزوغ على ’’ عهْر البطريق ‘‘ والدوافع الإنتحارية لطيور البطريق، التي من غير سبب محسوس تغادر المستعمرة فجأة، وتتجه الى الجزء الداخلي من البلاد، متهادية على نحو بائس عبْر الثلج نحو القطب الجنوبي البعيد ونحو الموت المحتوم.
في النظرة العامة، يمكن رؤية أفلامه كسلسلة من روايات غراهام غرين معادة كتابتها بقلم دي أتش لورنس. مثلما لدى غرين غرينلاند، لهرتزوغ هرتزوغلاند، والمملكتان تتقاسمان حدودا واحدة. كما غرين، يؤكد هرتزوغ أن مكان أفلامه هو بلد غير مكتشَف، لكنه العالم كما هو في الواقع. تنوّع المواقع والبيئات في أفلامه مدهش: من الغابات البيرونية للفيلم المدوِّخ " أغويرا، غضب الرب " ( 1972 ) الى ألمانيا البيدارماير [ اسلوب في تصميم الأثاث والديكور الداخلي في المانيا في الفترة 1815- 48 تميّز بالتحفظ، التقليدية، وبمبادئ مذهب المنفعة ] للفلمين " نوسفيراتو " و" وويزيك " ( كلاهما عام 1979 )؛ من لانزاروته المغبرّة ما قبل السياحة لفيلم " حتى الأقزام يبدأون صغارا " ( 1969 ) الى المناظر الخيالية العلمية لحرائق النفط الكويتي بعد حرب العراق الأولى لفيلم " دروس عن الظلمة " ( 1992 ). غنى اهتماماته مذهل: الحجاج المتدينون بنشوة؛ رسوم كهوف ما قبل التاريخ؛ الدلّالون الامريكيون سريعو الكلام؛ المتزحلقون على الجليد؛ المبشرون الدينيون الذين يظهرون في التلفزيون؛ ناصبو الشراك السيبيريون؛ الأعمى، الأصم والأبكم. صنع أكثر من ستين فيلما روائيا وتسجيليا معا، و، في المجموع، تبدو كأنها أعمال مخرجين عديدين، مع هذا تحتفظ كلها برؤية رجل واحد عن كوكبه اليائس. باهتمامها الدائم بالغرابة في العالم، التي لا تحصى في الكائنات البشرية، بمقدور هذه الأفلام أن تلازم ذاكرتك.
صنع الأفلام بالنسبة له كان حياة من مغامرة طبيعية، حيث المظاهر الملموسة من العملية هي المركز. مع الكاميرامان توماس موش، اعتاد هرتزوغ السير وراء موش، يداه حول خصره، أو مكلّبة بحزامه، كي يصبح هو والكاميرا، مشغلها، واحدا.
جمالية الأصالة تقوده في صنع الفيلم. انها موجودة في أفلامه الروائية، في توزيع الأدوار على أناس مثل برونو أس، نجم فيلم " لغز كاسبار هاوزر " ( 1974 ) و" ستروشيك ". كان برون أس هامشيا، مغني جوّال برليني معلول، يُكلّف باداء شخصيات كانت على نحو مماثل هامشية ومعلولة. شيء واحد يجعل وثائقيات مثل " ديتر الصغير بحاجة الى الطيران " ( 1997 ) أو " أجنحة الأمل " ( 1999 ) مؤثرة جدا هو أن هرتزوغ يقنع مواضيع فلميه هذين الى إعادة زيارة مواقع الصدمات التي مرّوا بها وحتى إعادة تمثيلها في غابات آسيا وأمريكا الجنوبية. ما يتحوّل الى مجرد إلتزام بـ ’’ الواقعة ‘‘ هو إحساس هرتزوغ بأن الحقيقة الواقعية تكمن غالبا في السمة المجازية للأحداث. في " ديتر الصغير بحاجة الى الطيران " وفيلمه الروائي المعاد الصنع " فجر الإنقاذ " ( 2006 )، يستخدم لقطات السلوموشن نفسها للقاصفات الامريكية ملقية النابالم على الريف الفيتنامي. في " فجر الإنقاذ "، تكون مصاحَبة بموسيقى اوركسترالية، وتبدو حزينة، فخمة، مهيبة – لقطات متتابعة سوداوية معادية للحرب. في " ديتر الصغير "، يرافقها غناء التوفان الحلقي [ نوع من الغناء الفولكلوري في جنوب سيبيريا يؤدى بالغمغمة ]، فتصبح مبتهجة، مجنونة. من جانب آخر، الفيلم الغريب على نحو مدهش " وودابي، رعاة الشمس " ( 1989 )، مع مسابقة الجمال في قبيلة بدوية لاختيار الرجل الأكثر جمالا  ( يمكن ان يكون فيلما لقناة الناشينال جيوغرافيك )، مع رجال القبيلة طوال القامة على نحو هائل، المهندمين، المزينين بشكل رائع، واقفين على رؤوس اصابع أقدامهم، فاتحين عيونهم على وسعها ( العيون الأكثر بياضا هي الأكثر حظا في الفوز )، أفواههم مبتسمة متكشفة عن أسنان بارزة. فقط سيضيف هرتزوغ أوبيرا على الشريط الصوتي، ليجعل من هذه المقاطع الموسيقية الراقية للثقافة الاوربية تبدو غريبة، مزعجة وسطحية كما هي ملابس القبيلة.
هناك القلّة من المخرجين الذين يهتمون بعالم الأسواق اليومي، تسديدات الرهن العقاري وقنوات سكاي الرياضية. هرتزوغ لا يزدري ’’ الشخص العادي ‘‘، لأنه من الصعب تخيّله يؤمن بمخلوق نادر وتخيّله يزدري أي أحد. مع هذا، في خلفية أفلامه يبقى احتقارا محزنا لفرد جذلان، تافه من ’’ العامة ‘‘ – ذلك الشخص الافتراضي الذي يقبل المجتمع كما هو، الذي يؤمن بأن الخبز سيأتي دائما جاهز التغليف، والذي هو مشغول دائما بتحديث صفحته في الفيسبوك ليرى كيف يمكن للطبيعة في أية لحظة أن تجرفنا جميعا بعيدا عن الأرض. من حسن الحظ، تتجسد هذه الشخصية المفترضة بشكل نادر في شخص في أفلامه. لأن كل أناس هرتزوغ – في افلامه الوثائقية كما في الروائية – يُعرَضون عوضا عن ذلك وهم في علاقة مع هاوية اخلاقية أو وجودية. من هنا، هذا الاهتمام الحالي لهرتزوغ بالقتلة في زنزانة الإعدام. في أكثر افلام هرتزوغ إرباكا، تكون الحياة الانسانية منطقة محاصَرة، اضطرابا للوعي في حضارات مهلهلة. تجربته وهو طفل للخرائب في المانيا بعد الحرب العالمية الثانية ربما حقنته بهذا الإحساس، بأن يحيا حياته في الإنهيار الأخلاقي والنفسي للثقافة.
 عن: الغارديان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram