اقترنت صورة الجيش العراقي في مخيلتي بقوافل الناقلات العسكرية التي كانت تمر على الطريق العام من أمام منزلنا وهي تتجه الى جبهات الجنوب أواخر الحرب العراقية الايرانية. وبعد انقطاع دام عامين، عادت مشاهد قوافل الناقلات للظهور بشكل ملفت تبين لاحقا انها كانت قطعات الحرس الجمهوري التي غزت الكويت ذات حماقة.
الجيش الذي خرج من حربه مع إيران محتفظا بشيء من هيبته، عاد من الكويت وهو منزوع الهيبة مهاناً. يذهب الى المعارك ويعود مثقلا بالخيبة والانكسار منذ أمضى سلطان هاشم على ورقة الاستسلام في خيمة صفوان. رحل نورمان شوارتسكوف، نهاية 2012، ولا زال هاشم يتذكر هزيمته في كل عام عندما تحل ذكرى 6 كانون الثاني، وهو يتذكر بريق النجوم على كتفيه.
لم يكتف الاميركان بتقليم أظافر صدام والاطاحة به لاحقا، بل عمدوا الى تقويض الجيش، كمؤسسة عسكرية راسخة، وقرروا تقديم نموذج لطيف لجيش "لا يهش ولا ينش". تتذكرون كيف قرر أبو خليل الديمقراطي حلق شاربه، ووضع عصابة الرأس على طريقة القراصنة، واعتمر قبعة الكاو بوي، وإرتدى النظارات الشمسية، على طريقة المارينز. تحول أبو خليل الى كائن هجين وهو يرابط في شوارع بغداد والبصرة والحلة. جندي لا يقاتل لكنه يقبض جيداً.
نبتت الشوارب، وعاد الانضباط العسكري للظهور في الشوارع والساحات العامة بعد 2011، كمؤشر الى رغبة المؤسسة العسكرية العراقية لاستعادة ملامحها القديمة التي ورثتها من الجندرمة والانكشارية العثمانية. أشاهد، هذه الايام عودة الزيتوني "الصدامي"، ويخيفني جداً انتشار المعاطف التي تذكرني بصورة علي حسن المجيد وهو يركل أحد ثوار انتفاضة 1991 قبل اقتحام الناصرية.
الشوارب الجديدة لم تمنع سقوط الموصل للأسف. فاكتشفنا إننا نملك جيشاً غارقا في الفساد، والمحسوبيات، احتفظ بعقيدة القمع، ونسي رجولة المعارك. هكذا شارك ما تبقى من جنرالات صدام بهزيمتنا أمام صبيان داعش التي يقودها صنف آخر من جنرالات البعث الذين استبدلوا الزيتوني بالرايات السوداء، والالقاب العسكرية بألقاب سلفية.أتذكر جيداً كيف كان ساسة العراق، بعد 2003، يتحدثون بجذل وسرور عن نموذج جديد من جيش "لاغراض دفاعية". ردد الجميع هذه المعزوفة الاميركية، متناسين ان الدول، بما فيها الولايات المتحدة التي احتلت العراق، تعتبر الحروب الاستباقية نوعاً من الدفاع عن المصالح. فالمصالح لا تقف عند حدود الدول، والجيوش أدوات فاعلة لتحقيقها او منع تهديدها.هكذا قاتل ابو خليل الديمقراطي بعد 2003 من دون عقيدة عسكرية واضحة. اكتفى الجيش بكونه "يعدّ اياماً ويقبض راتبا". يركب الهمر والابرامز، لكنه يواجه مشكلة في ايصال الامدادات لقطعاته في المناطق الغربية والشمالية. بقي يتفرج على جنوده وضباطه وهم ينحرون في سبايكر، والسجارية، والصقلاوية صيف 2014.
كان ابو خليل شجاعاً مقداما، جسورا، غيورا، لكنه لم يحظ بقادة على قدر المسؤولية. فبعضهم حول الجيش الى فرصة للكسب والاثراء على حساب قوت وحياة الجندي. ماذا يفعل المقاتل وهو يرى قائده يهرب أمامه، ويدنس شرفه العسكري؟ وكيف يقاتل قائد بلا عقيدة عسكرية؟!
ما فشلت به امريكا خلال ١٢ عاما، أرادت إصلاحه في ١٢ شهرا، بعد حزيران 2014. فأخذت على عاتقها تأهيل وهيكلة بعض القطاعات العسكرية لتحضيرها كقوات تحرير في الرمادي ومن بعدها الموصل. فشلت أيضا في ذلك. فالانجاز السريع في الرمادي والذي أريد له ان يسجل بإسم ابو خليل، المثخن بالانكسار، تبخر بعد يومين فقط، اثر سيطرة داعش على مقر الفرقة العاشرة في جزيرة الثرثار.
يحتفل أبو خليل بعيده الـ 95، داخل غرفة عمليات تسعى الى تقسيمه الى جيوش اثنو طائفية. يدافع ابو خليل عن بلد دخل مبكرا في غرفة عمليات تتسابق لرسم خرائط المنطقة. التقط صورتي مع ابو خليل، واتمنى ان لا تكون الاخيرة.
صورة تذكارية مع "أبو خليل"
[post-views]
نشر في: 6 يناير, 2016: 06:01 م
جميع التعليقات 1
محمد طالب
لطالما مجدنا و افتخرنا بجيشنا العظيم و لكن كل هذا المجد الزائف لم يمحو كون الجيش العراقي و منذ زمن ليس بقريب هو مرتهن لنزوات و تفاعلات عاطفية للقائد الضرورة و في الماضي و الحاضر و لم يدخل تحدي الا و خسره ...عظم الله اجورنا بجيشنا و ندعو الباري ان يمن ع