TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > نزار يحيى.. الأندلس.. أفق يستعيده التعبير

نزار يحيى.. الأندلس.. أفق يستعيده التعبير

نشر في: 9 يناير, 2016: 12:01 ص

لا يملّ الرسامون من التمثّل، بل هو فعل يكاد أن يكون بداهة أبداعية لديهم. وعبر هذه الممارسة، سيكون التاريخ و الحاضر أو حتى العلاقة بينهما، ذريعة للتعبير عن خبرتهم تجاه العالم، سواء في صورته المتخيلة أم الواقعية. ضمن هكذا تصور، يستدل الفنان العراقي نزا

لا يملّ الرسامون من التمثّل، بل هو فعل يكاد أن يكون بداهة أبداعية لديهم. وعبر هذه الممارسة، سيكون التاريخ و الحاضر أو حتى العلاقة بينهما، ذريعة للتعبير عن خبرتهم تجاه العالم، سواء في صورته المتخيلة أم الواقعية. ضمن هكذا تصور، يستدل الفنان العراقي نزار يحيى " بغداد 1963- مقيم في أمريكا" على موضوعة رئيسية أطرّت معرضه الشخصي الذي جاء بعنوان " استعادة"، والذي أقيم  في " قاعة ميم، دبي"  للمدة من 2 تشرين الثاني لغاية 10كانون الثاني 2016،. ضمّ عشرون لوحة مسندية نفذت بأقلام تخطيط ملونة وألوان زيتية، وبأبعاد، مختلفة، متوسطة الحجم وصغيرة.
ثيمة معرضه هذا، هي " الأندلس ، 711-1492"، ذلك الفضاء العربي التاريخي والإنساني الفريد، الذي أشتمل على الحضارة ،الفكر، الفن، ألأدب، العمارة، الشعر، وغيبته تالياً صراع دويلات الطوائف، وتم فقدانه منذ أكثر من خمسة قرون. الحلم الفادح الذي لم يبرأ منه وجدان الإنسان العربي، بأسباب بهائه حيناً أو انكفائه حيناً آخر، والذي ظل يقضاً حتى الآن، بدوافع هذه الأسباب كذلك.
لا يمضي الفنان في معرضه " استعادة "، الى مشايعة أحداث سابقة لـ " الأندلس"، هو ليس راوياً لقصص عنها أو سارداً لبعض تاريخيتها من خلال أعمال تصويرية. بل يقدم   موضوعة عنها بوصفها ثيمة تتخذ صيغة السؤال، ويدعو الى استرجاع مغزى خسارتها، ومضاهاته مع حاضر عربي، بات فيه الصراع والاحتراب والخسائر، كلمات سرية تتجول بحرية في بلدانه. ما يزال نزار يحيى يتذكر ما حدث لمدينته " بغداد"، والتي هاجر منها الى بلد استقبال آخر، بعدما بات ذلك الصوت الشريد الذي " يكرر هتافات دويلات الطوائف" عاليا بقوة فيها، كما يكتب في مقدمة دليل معرضه الفني. أنه ذات الصوت الذي أنهى من قبل "حياة باذخة بالإبداع عرفته مدن الأندلس وما جاءت به دويلات الطوائف" هكذا يضيف.
الأندلس تاريخياً وبغداد وحاضراً، مماثلة تنطوي على مغزى سياسي، يعاينه الفن الذي ما زال محتفظاً بتلك " القدرة الفريدة على صنع الاتصال بين المتناقضات" ذلك ما يبينه الفنان ذاته ( دليل المعرض).
عشرون لوحة، نفذتا بأدائية تشخيصية مفعمة برمزية دالة، تسعى الى تعيين موضوعتها من خلال أشكال أحادية، لكنها متعددة ومختلفة ومتحولة في طبيعة تمثلها للمعنى. متخذة سمة مركزية في فضاء السطح التصويري للوحة، الذي يكاد أن يكون مفرغاً من علاقات شكلية وصورية أخرى، ومكتفياً بمساحة لونية واحدة ومتماثلة. ما يضفي على ألأعمال حساً اختزاليا يعزز من وحدة الموضوع ويفترض مقاربة لدلالته التعبيرية.
ثمة اهتمام بقيمة الخط في تأليف أشكاله التشخيصية، في تعيين حدها الخارجي، وتبيان ملامحها الخاصة، و تواشج نسيجه مع المعالجة اللونية التي تتخذ سمة ألوان باردة وصريحة أحياناً. أشكال تحضر غالباً بمعالجة تأليفية تغلب عليها سمة التسطيح " ثنائية البعد"، متوافقة في فضاء تصويري فارغ وأحادي اللون. أشكال تكتفي بذاتها وطبيعة تعبيريتها الساكنة، وهي حاضرة في مشهدية قائمة على التوازن، الثبات، والمركزية، وكذلك التناظر والتكرار، وذلك ما يعزز من رمزيتها وحسها ألايقوني.
لقد جاءت عناوين اللوحات كي تفترض رؤية دالة على موضوعة العمل، وتعرّف في آن معاً تمثله التصويري للمعنى، عناوين مثل " لعبة الكبار"، " سجن" " سرد عربي" ، " سخرية الحرب"، " اختلاف"، هي أيضاً، توضح مدى انشغال الفنان في إضفاء بعداً مفاهيمياً لتجربته الفنية هذه، القائمة على استعارات وكنائية رمزية، وليس اقتباسا لأشكال قادرة على الوصف. يمكن لنا تبيان مشهديته الرمزية هذه وتحولها في رمز " الحصان"، الذي يتخذ حيناً بعداً متخيلاً على شكل كائن هجين هو جسد إنسان يحمل وجه حصان منحن، دلالة على القبول بالخسارة في لوحته التي حملت عنوان " انتقال"، و في أخرى بمثابة أشكال تركيبية متصاعدة هرمية الشكل، لكنها جاءت بما تشبه الدمى المصنوعة من مادة الخشب، وقد حملت عنوان " سرد عربي" دلالة على السخرية من الحرب ودوافعها، أوفي سلسلة لوحات حملت عنوان "اختلاف"، جاء هذا الرمز " رأس الحصان" على شكل دمية يصنعها ويمتطيها الأطفال في الغرب. في هذه المعالجة التصويرية ذات الأثر الرمزي، يضفي الفنان قدراً معلناً من تهكم وسخرية على مقولة الحرب.  فيما يظهر تناولاً مختلفاً في أدائه التعبيري للحضور الرمزي لـ" ابو عبد الله بن محمد" أمير غرناطة، الشخصية الرئيسية في مشروع معرضه. في لوحته " سجن" هو يظهر في صورة رجل، وحيد، يشخص خلف نافذة مقوسة مشغول فضاؤها بزخرفة عربية، هو تأويل لموقف تاريخي عنه، بوصفه أخر أمراء غرناطة الذين خرج  منها. بينما في لوحة أخرى بعنوان " حمراء"، هو ملامح وجه في مرآة تشخص خلفه امرأة بشعر طويل ومسترسل، في دلالة ما على جدل السلطة وغويتها.
في عمله " الحنين الى أبن رشد"، والتي تتألف من 32 لوحة ( أبعاد 48×30 )سم، يتمثل الفنان صورة الأندلس عبر شخصية هذا الفيلسوف، في تمثيلات تصويرية ومعان متعددة عنها، الحرب، السلام، الموسيقى، حرائق الكتب، مفاتيح غرناطة، خوذ الجنود الفرنجة، الحصان الدمية، تعبيرات هي بمثابة شذرات تفترض صورياً معنى "الاستعادة" لفتنة ذلك التاريخ بأحداثه ومعارفه وأثره الإنساني.
لوحات الفنان نزار يحيى هو استفسار عن مضاهاة وجود تاريخي بما آلت أليه حواضر عربية أخرى، وهي ما تقوله عبر جماليتها ومغزاها التعبيري.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

القضاء ينقذ البرلمان من "الحرج": تمديد مجلس المفوضين يجنّب العراق الدخول بأزمة سياسية

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram