ليس لدي ما اقوله بشأن السعودية وايران سوى قاعدة ذهبية يعرفها الجميع وتحدثنا عنها طوال اعوام. فالبلدان هما جار ابدي سنبقى نعيش معهما ونتبادل المصالح بالحسن والسيء الى الابد.
قبل بضعة اعوام كتبت ما معناه، ان اطراف التحالف الوطني يقدمون مبررات كبيرة وعظيمة تفسر كيف ان الاحزاب الشيعية تقدم تنازلات متعقلة وتحرص كثيرا على التساهل مع ايران. فحتى لو ارتكب جناح سياسي او عسكري ايراني خطأ شنيعا بحق العراق، سيظهر تيار عراقي بارز ويطالبنا بأن نهدأ ونتعقل ونتجنب الانفعال، لان ايران جار تاريخي لن يختفي من جوارنا، وشريك ديني وثقافي لن تنفصم عرى الشراكة معه الى يوم القيامة، ولذلك لابد ان نراعي ونتوازن ونتجنب التطرف، ونسعى لاحتوائه، وسنجد اصدقاء معتدلين في طهران يتفهمون تعقلنا ويشجعون مسار التصالح والتهدئة الذي ننوي انتهاجه. خاصة واننا جربنا عبر الاف السنين حروبا طويلة مع اهالي هضبة زاغروس الايرانية وكان الطرفان خاسرين في كل تلك الصدامات.
وفي المقابل كنا نقول ان هذا تفسير مقنع نسبيا ولابد لكل عاقل ان يتقبله، ولكن في نفس الوقت ولنفس الاعتبارات التاريخية والثقافية، يجب علينا ان نضع معايير متعقلة في صوغ سياستنا الخارجية مع المحيط العربي السني والسعودي والمصري، بل والتركي ايضا. فهؤلاء شركاء ابديون في اللغة والثقافة ومنابع الانهار وانتهاء السواحل البحرية، والروابط العائلية من الموصل حتى البصرة، ولذلك فان انتهاج مسار متعقل مع ايران، واعتماد نهج متشدد متربص مع السعودية وتركيا، هو وقوع في فخ الكيل بمكيالين والتعامل بمعايير مزدوجة.
ان كل العقلانية العراقية تدرك وجود جناح متشدد في طهران والرياض يصعب التعامل معه، ولكن وفي نفس الوقت، لا يمكن ان نصبح عقلانيين مع طهران الى اخر درجات العقلانية، بينما نبحث عن اي سقطة سعودية او تركية مهما صغرت، كي نندفع لمهاجمة انقرة والرياض ونطالب بفعل ما يمكن فعله للقطيعة معهما.
ان القواعد السياسية لا تتجزأ، وإلزام انفسنا بنهج مع طهران وحتى واشنطن، سيعني التزاما مع المحيط السني المتوغل عميقا في ثقافتنا حتى في النجف التي كانت عبر التاريخ مدرسة لاهوت شيعي كبرى محاطة بمجتمعات سنية متعايشة مع الكوفة والكاظمية والحلة، وهذا ليس شعرا ولا مثالية بل وقائع تاريخية ومصالح حياتية حاسمة.
لكن علينا كعراقيين ان نفكر في شيء مهم. اذ حين نتخاصم مع جناح متشدد ايراني، سنعثر بسهولة على جناح معتدل ايراني او شيعي سيتمكن من تسهيل الوساطات وانجاح سبل التهدئة بين بغداد وطهران. ولكن هل لدينا طرف سني في انقرة او الخليج يلعب الدور ذاته ويسهل علينا لعب دور الوسيط او عنصر نزع التوتر؟ ام اننا سنكتشف مع اي مشكلة في انقرة او الرياض، اننا بلا اصدقاء يسهلون المهمات الدبلوماسية والسياسية الصعبة؟
ان هذا فراغ خطير في العلاقات العراقية العربية والتركية، فقد نجحنا في ملء الثغرات مع ايران نسبيا، لكننا فشلنا في ترميم الثغرات مع تركيا والمحيط العربي. وهذا ليس ذنبا عراقيا خالصا، بل يعود جزء منه الى تردد عربي وتسرع تركي، وعلينا ان نفكر في كيفية معالجته، كي لا ندخل قادسية جديدة بطعم شيعي هذه المرة، وكي لا نمنح لشركائنا الاقليميين السنة ان يندفعوا باتجاه مسارات "الحزم" التي نعلم جميعا عواقبها كخبراء عراقيين في معنى الهزائم الشاملة التي لا منتصر فيها
نحن والسعودية وايران
[post-views]
نشر في: 9 يناير, 2016: 09:01 م
جميع التعليقات 3
خليلو...
صدقت في ما كتبت ولكن (: لقد أسمعت لو ناديت حيا-----ولكن لا حياء لمن تنادي) فإنهم في عبثهم عمهون
ثائر الدليمي
عزيزي الاستاذ سرمد المحترم مقالكم يجسد المثل البغدادي القائل : حب و احچي ، اكره و احچي . وهذا ما يجعل المشهد العراقي يفرز الخطاب المتشدد لابادة الاخر و حرمان الفرد من ابسط قواعد حقوق الانسان بفعل تغليب العاطفة على العقل و انعدام روح المواطنة ،
محمد فريد
الأخ سرمد المحنرم لايوجد وجه للمقارنة أطلاقاً وأنت الصحفي المثابر أن نقارن بين حماقات إيران الاستفزازية المستغلة للظرف العراقي ولاتنسى هم ليسوا إنبياء وينسوا حرب الثمان سنوات ولم ينشف الدم بعد لذا على الساسة العراقيون أن لايأخذهم الدافع الغريزي الطا