TOP

جريدة المدى > عام > القنوات القديمة للحرب الباردة.. تعقيب على كتاب

القنوات القديمة للحرب الباردة.. تعقيب على كتاب

نشر في: 11 يناير, 2016: 12:01 ص

يبدو ان الجهود الثقافية وغير الثقافية والاموال الطائلة التي صرفت على ادانة الماركسية وثقافتها مقابل تمجيد ديمقراطية العالم الحر وتحرير الفرد، ما تزال بقاياها قابعة في رؤوس بعض الباحثين. وهم ما يزالون لاغراض اخرى، او للاغراض نفسها، يستعينون بها ساعة ي

يبدو ان الجهود الثقافية وغير الثقافية والاموال الطائلة التي صرفت على ادانة الماركسية وثقافتها مقابل تمجيد ديمقراطية العالم الحر وتحرير الفرد، ما تزال بقاياها قابعة في رؤوس بعض الباحثين. وهم ما يزالون لاغراض اخرى، او للاغراض نفسها، يستعينون بها ساعة يتعثر البحث اوتصعب الحلول.
نعم قد يستوجب البحث اشارة لما كان أو لما يقابل نقطة الاهتمام، لكن التوجه لها قصد الادانة أو التخطئة، ما عادت مطلوبة بعد زوالها ومعرفة ما لها وما عليها.. يحس القارئ احيانا بانهم يسترضون المؤسسات لنشر كتبهم وبحوثهم أو للحصول على منح بحثية او لان هذا هو موضوع اهتمامهم الملمين به!
لست بصدد الدفاع عن تلك الايديولوجية ولا عن السوفيت وقد صاروا دولا وشعوبا واتخذوا اقتصاد السوق وبعضهم انتمى لحلف الناتو. لكني بصدد مدى تحرر الانسان المثقف اولا والانسان العادي من ماضيهما. وبالتاكيد انا لست ضد الافكار المؤكدة على حرية الفرد وتحرير الذات. فالماركسية ايديولجيا محترمة وتجربة تستحق الدرس وهذه افكار تمجد الانسان فردا لكي لا تضيع مزاياه في الحكم العام وهي افكار محترمة وتستحق المزيد من الدرس ايضا.
لكني، ولا  اخفيكم، اجد في المنحى الثاني "شعرية" اكثر مما اجد منطلقا فكريا لمشروع عملي، يمكن ان يتضح في الانجاز وتُرى نتائجه المادية على نطاق الفرد ولا اقول الجماعة.
يقول السيد سيمون ديورنغ، في كتابه "الدراسات الثقافية- مقدمة نقدية":
"تعتمد الانتاجية على روح الفريق، أي مقدرة الفرد على الاستجابة لغير المتوقع" اولا، ما هو الرابط بين الفقرتين؟ لا رابط، الا اذا فهمنا تضاعف قوة الفرد ضمن الجماعة وهذا منطق يقول به الماركسيون اكثر من سواهم فاين نقطة الاعتراض؟ ما هو غير المتوقَّع؟ هو يعرف العمل وطبيعته ونتائجه؟
ثم يقول: الانتاجية تعتمد على الاحساس بان تلبية حاجات الوجود تجري في العمل..." وهذا كلام سليم لكن الماركسية لا تقول بما يناقضه. تحقيق الاحتياجات الفردية يوفر الجذوة اكثر في العمل الجماعي. واذا اراد ان الحاجات الفردية تؤكد وجود الذات، فنعم. لكن هل يمنع من ان تؤكد هذه الحاجات الفردية الوجود العام أيضاً؟
ويقول: تساعد "ثقافة" العمل أيضاً في تنحية الفهم الماركسي للعمل بوصفه غير قادر على التعبير عن حاجات الفرد و امكاناته..." عدنا إلى اعراض المرض الاول: الفهم الماركسي للعمل. هو لا يعبر عن حاجات الفرد. كيف لا يعبر؟ لانه عمل للدولة. و ليس عملا للفرد.اذا المطلوب عمل للمؤسسة، للشركة. لكن ليس كل فرد صاحب مؤسسة. الا اذا اردنا بالفرد هم اصحاب الشركات والمؤسسات. هم الافراد! السؤال الان ايهما اصلح للفرد الاعتيادي – العامل، ان يكون عاملاً في مؤسسة ام يكون عاملاً لدولة تعمل للنفع العام، أي لمجموع الافراد؟
ثم، هل لأن ساعات العمل طويلة وربح العامل قليل؟ لكن العامل قليل الاجر مضمون السكن والعلاج وهناك دعم للمواصلات والدراسة المجانية وضمان اجتماعي معقول ودعم للثقافة. من ذلك نستنتج ان هناك فجوة في حياتنا الجديدة. هناك  حيرة وحاجة لسد نقص. هناك افكار تتكرر ولا حل.
هل يمكن ان نفسر الميل الشديد والتشوق إلى الفنون الافريقية، موسيقى، اقنعة، رقص، وتبني الازياء الهندية واليابانية القديمة والرقص الشرقي...، هل نفسر هذا بانه تغذية الجديد بالحرارة التي افتقدها ولتحريكه بقوة الماضي والامتياز "الكوني" الذي كان في الاعمال الاصيلة واستعادة للجماعي المفتقد الذي انتجته حيوية الحراك العام المشرَك؟
نعود إلى بداية كلامنا، اذا كانوا يدينون الثقافة المؤممة والفكر الذي يعمم القنانة.." ولا يقولون يؤمم الخبز والثقافة والدواء ويؤمم كرامة الانسان في شيخوخته وعجزه. فلماذا لا ندين تعذّر هذه والحرمان منها وعدم تعويضها ببدائل عملية سليمة؟  نتمنى ان يجتمع الحالان أو المطلبان، ولكن الشرط الانساني محكوم بشروط أيضاًواجتماعهما صعب حتى الان!
الثقافات الحرة مبهجة، لاشك بهذا ولكنها متعددة ولا شك بهذا أيضاً. نحن رهن مؤسسات الثقافة- ودور النشر منها- وهذه لها برامجها كأية مؤسسات مالية. واذا كنا انتهينا إلى ان كثيراً من مفردات الثقافة مرتبطة بالسياسة ضمناً، وان هذه تفقد باستمرار حيوية الاصالة الانسانية بسبب حركة الاستهلاك والانشغال بعمل السوق أو خدمته باختيار ما هو مضمون الربح، فما هو البديل؟ الحلول الوسيطة غير مجدية ضمن الاندفاعات كبيرة الحجم.
على اية حال، نحن بشر ولنا ما نحب وما نكره. والعلم ليس دائما هو السيد في الميدان!
الكاتب يعلم جيدا، فهو يقر بعد اسطر، فيقول، وان بصيغة الادانة، "كما ان الثقافة الريادية تولد افرادا جددا اقل قدرة على مقاومة المجتمع أو نقده، اكثر مما ولدته ايديولوجيا الرفاه الاجتماعي التي حلت محلها... لقد حجبت الزيادة الحادة في خلق العمل وشجعت الاغنياء على استقدام مواهبهم للسوق وفسحت المجال للنشاط الثقافي منذ الثمانينات وسهلت الوصول إلى الصناعات الثقافية وصار العمال مستهلكين بازاء المكائن الانتاجية الحديثة...
نسي الكاتب انها عملت على تدمير نظام "قديم" النوعية وان الضمانة كانت ضمانة دولة وهي مستقرة على وفق تشريع بدلا من ضمانه الافراد الحرة غير المؤتمنة وغير المستقرة. وان العامل رهن استمرار الربح وهو مهدد بتوقفه او عدمه أو ارتباكه.. كل ذلك قاد إلى برمجة.. اقل اصالة (رسوخا).. وهذه مسالة مربكة، ومقلقة للفرد. الخبز والسكن والعلاج مسائل اولى. نحن لا نتحدث شعرا! ثم من سيوفر كتبا جيدة ومجلات بحوث وعلوم وسينما ومسارح و اوركسترات بمبالغ زهيدة يتمكن منها الاجير أو الشغيل؟ هل الافضل ان يجد "الافراد المستهلكون" مجلاتِ ألغاز وقصص تلهيات أو جريمة ومسارح تهريجية، هي الوحيدة الشعبية؟ اهو صواب ثقافيا، الا يجد هذا المستهلك ما يصله بافاق الفن؟ وان تظل الكتب المهمة والمسارح والاوركسترات للنخبة أو حصرا على المعنيين في المتاحف والمكتبات؟ واذا كانت للنخبة وهي تلائم مستواهم الثقافي، فاين الاهتمام بالفرد وحريته وتطوره؟ هذه حياة الناس. والصحيح العملي غير الكلام الذي يحل مشكلة الجوع بأن يُبقيهِ جوعاً!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

عباس المفرجي: القراءة الكثيرة كانت وسيلتي الأولى للترجمة
عام

عباس المفرجي: القراءة الكثيرة كانت وسيلتي الأولى للترجمة

حاوره/ القسم الثقافيولد المترجم عباس المفرجي بمنطقة العباسية في كرادة مريم في بغداد، والتي اكمل فيها دراسته الأولية فيها، ثم درس الاقتصاد في جامعة الموصل، نشر مقالاته في جرية الجمهورية، ومجلة الف باء، قبل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram