"زاجي عودة" ، سكن مدينة الكاظمية قادما اليها قبل اكثر من نصف قرن من احدى قرى الجنوب ،ارسله ابوه ليتعلم مهنة صنع الخناجر لدى احد المعارف ، لكنه فشل في اجادتها ، لضعف بصره وقواه العضلية بسبب سوء تغذية مزمن لازمه منذ الصغر . دخل الى مدرسة دينية لعله يستطيع ان يكون خطيبا، محاولته باءت بالفشل ايضا لجهله القراءة والكتابة ، لكنه اكتسب موهبة طلاقة اللسان ، والاستشهاد بالآيات القرآنية والادعية والاقوال الماثورة منحته فيما بعد موهبة بيع البضائع بالتصريف بتشجيع من تجار كانوا يتعاطفون معه ليشق طريقه في الحياة بالزواج من بنت الحلال .
"زرزور" ، لقب اطلقه اصحاب المحال في سوق الكاظمية على زاجي عودة ، لقصرقامته وانخفاض وزنه ، ثم اصبح "ملا زرزور" ، حين توجه الى قرى شمال بغداد متنقلا بين بيوتها المتناثرة يقود حصانه لعرض بضاعته من اقمشة ومسبحات ، وملابس اطفال ، واحذية بمختلف الاحجام، اكتسب ثقة الزبائن لحسن تعامله وبيع بضاعته بالتقسيط المريح . في بعض الاحيان كان يقضي اياما معدودة في مضيف احد الوجهاء، في احدى الاماسي حصل شجار بين اهالي القرية على تقاسم المياه ، فاستطاع ان يحتويه قبل حصول خسائر مادية وبشرية . اثر الحادث ذاع صيت ملا زرزور وامتد الى مناطق مجاورة ، لامتلاكه صفة نزع فتيل النزاعات وعقد الصلح بين المتنازعين بشهادته ، وبمباركة وجهاء القوم .
رحلة الملا المكوكية الى مدينة الكاظمية ثم العودة منها اصبحت اسبوعية ، وعلى الرغم من مخاطر الطريق لم يخطر في بال الرجل انه سيتعرض في يوم ما الى حادث تسليب ، اثناء عودته من قرية نائية متوجها الى المدينة ، قبل الغروب استوقفه ثلاثة ملثمين ، وتحت تهديد الخناجر طالبوه بتسليمهم ما يحمل من المال ، اقسم لهم بالإمامين الكاظمين وسبع الدجيل السيد محمد بأنه لايحمل سوى ثلاثة دراهم ، فتش الملثمون جيبوبه ، في تلك الاثناء لمح الملا سيارة شرطة من بعيد ، فأخذ يقاوم الرجال الثلاثة لكسب الوقت حتى وصول الشرطة ، انتهت المنازلة بالتعرف على المعتدين ، واحتفاظ الرجل بدراهمه.
خبر الاعتداء على الملا وصل الى القرية ، بعضهم فسر الحادث بانه من كرامات ملا زرزور. بعد اسبوع من الحادث وصل الرجل ليجمع حاجياته ، فاعترض رجال القرية على رحيله وحاولوا اقناعه بشتى الطرق للبقاء بينهم لينالوا من كراماته ، لكنه اشترط مقابل التخلي عن قراره فضح المعتدين الثلاثة ليكونوا عبرة لمن اعتبر ، لتفادي تكرار حوادث السلب والنهب ، لتحافظ القرية على سمعتها بتشخيص المسيئين ومقاطعتهم ، وافق الاهالي على الشروط ونفذوا شروط الملا ، ولإثبات حسن النية عرضوا عليه الزواج من احدى النساء ، تزوجها وامضى عمره مع شريكة حياته لكنه لم ينجب الاطفال. لسوء الحظ الملا زرزور انتقل الى جوار ربه ولم يترك شبيها له قادرا على حل النزاعات العشائرية في البصرة.
ملا زرزور
[post-views]
نشر في: 11 يناير, 2016: 09:01 م