يبدو أنه صارت مهمة مقدسة لدى البعض في بغداد وغيرها من المدن، أن يلعن الكرد وقادتهم كلما سعل شيخ في العمارة، أو أصيب طفل بالنكاف في إحدى مدارس مدينة الثورة ببغداد، أو إذا ما انخفض منسوب شط الهندية أو شط الحلة فلا تعود مياهه تصل إلى المزارع والبساتين الممتدة على ضفتيهما.
الكرد وقياداتهم، كما يرى هذا البعض، هم مصدر كل الشرور المتخمة بها حياتنا .. لم يكن نظام صدام الدكتاتوري هو هذا المصدر، ولا النظام المحاصصاتي الفاسد الحالي هو المصدر .. الكرد وقياداتهم ولا أحد غيرهم سبب كل بلوى تنزل فينا ومحنة تحيق بنا. عند زاوية كل زقاق من أزقتنا المفروشة بالأزبال والنفايات، وخلف كل عمود كهرباء لا يتدفق فيه التيار إلا ساعة واحدة أو أقل كل أربع ساعات، وعند كل وكيل حصة تموينية لا يوزع إلا حصة شهر واحد لا تصلح للاستهلاك البشري كل ثلاثة أشهر، يكمن متآمر كردي، هو السبب في هذا الجحيم الذي يشوينا شيّاً في الصيف وفي الشتاء.
آخر المؤامرات الكردية، كما يكتشف هذا البعض، "الخندق العظيم" الذي يشقّه الكرد الآن على طول حدود بعض مناطق الإقليم مع المناطق التي إحتلها داعش (ذلك الإحتلال كان هو الآخر مؤامرة كردية، ولا دخل لقيادات نوري المالكي العسكرية والأمنية به، فهي قاتلت قتال الأبطال حتى آخر رصاصة وآخر قطرة دم !).
قبل سنوات عندما بدأت السلطات في إقليم كردستان بتطبيق إجراءات أمنية بخصوص الداخلين إلى الإقليم من الوسط والجنوب، بينها تزكية مُعرّف أو كفيل، للحؤول دون دخول عناصر الإرهاب إلى الإقليم بعدما تكرر حدوث تفجيرات إرهابية والقبض على عناصر إرهابية، ضجّ أصحاب نظرية المؤامرة الكردية بأن الإجراء مؤامرة كردية لفصل الإقليم عن العراق ولإعلان الدولة الكردية المستقلة. وإذ نجحت التجربة في حماية الإقليم من الإرهاب، أخذت بها محافظات الوسط والجنوب، فلم يعد بالإمكان الآن دخول محافظة كربلاء أو النجف أو البصرة أو الناصرية وسواها من دون وجود معرّف أو كفيل. وما من شكّ في أن ما تتمتع به هذه المحافظات حالياً من أمن واستقرار يرجع الكثير من الفضل فيه إلى هذا الإجراء، أو "المؤامرة الكردية" كما كان يُنظر إليها.
أكثر من هذا أن فكرة الخندق الكردي لدفع شرّ داعش ليست إبنة اليوم، فبعد احتلال داعش ثلث مساحة البلاد ابتداء من الموصل ووصولاً إلى مشارف العاصمة بغداد في حزيران 2014 ، أعلنت قوات البيشمركة أنها تعتزم حفر خندق خارج مدينة أربيل لوقف هجمات داعش باتجاه المدينة لاحتلالها، وقد صادفت تلك الفكرة هوى لدى محافظ بغداد علي التميمي الذي أعلن في منتصف تموز من ذلك العام ان محافظة بغداد "طلبت من قيادة عمليات بغداد تنفيذ حفر خندق حول مناطق الأطراف في العاصمة منعًا لأي تدخل سافر لعناصر تنظيم داعش وحماية أهاليها من أي تدخل إرهابي متوقع أسوةً بالخندق الذي نفذته محافظة أربيل لتأمين أسوارها"... يومها لم يتحدث أحد عن مؤامرة شيعية – صدرية (السيد التميمي من التيار الصدري) مثلاً لفصل العاصمة.
مؤكد أن هذا الكلام لن يغيّر في موقف أصحاب المهمة "المقدسة" الذين يطاردهم الشبح الكردي الذي هم خالقوه، حتى إلى مخادعهم الزوجية.
الشبح الكردي مرّ من هنا!
[post-views]
نشر في: 11 يناير, 2016: 09:01 م
جميع التعليقات 2
مدحي مندلاوي
نعم يا استاذنا العزيز ، بقي ان يقول هؤلاء ان الكرد نصبوا كمينا للامام الحسين ( ع ) في كربلاء ، وهم الذين قتلوه . ولا حول ولا قوة الا بالله !
أسعد عدّو
عشت يا أخي العزيز أنت و أمثالك .. عرب سنة من الانبار ممنوع دخوله الى مدينة من الفرات الاوسط أو حتى بغدا و الآن أكثر من 73 ألف عائلة عربية يسكنون و يتجارون و يمرحون في مدن كوردستان .. نحن أهل النسامح مع أسف سياسة عدم التسامح عند الصفويون أهلك العراق و أدخ