TOP

جريدة المدى > سينما > مايكل نيوتن يتحدث عن رؤية هذا المخرج المتفرّدة.. هرتزوغ منتجاً

مايكل نيوتن يتحدث عن رؤية هذا المخرج المتفرّدة.. هرتزوغ منتجاً

نشر في: 14 يناير, 2016: 12:01 ص

القسم الثاني
إلهه هي الطبيعة – لكن لا الطبيعة الوديعة المعتدلة الحليمة ليسوع، بل طبيعة يَهْوَه العهد القديم المرعبة، الهائجة. ربما الى جانب تيرنس مالك، هومن آخر صنّاع الفيلم الذين لديهم إحساس بالسامي. مشهده الأخلاقي يبزغ من هذا الفضاء –

القسم الثاني

إلهه هي الطبيعة – لكن لا الطبيعة الوديعة المعتدلة الحليمة ليسوع، بل طبيعة يَهْوَه العهد القديم المرعبة، الهائجة. ربما الى جانب تيرنس مالك، هومن آخر صنّاع الفيلم الذين لديهم إحساس بالسامي. مشهده الأخلاقي يبزغ من هذا الفضاء – إنسانية سهلة الانقياد ضعيفة حبيسة في هوّة بين طبيعة لا مبالية ورب منتقم.
وهناك يسعى أناسه الى إضفاء معنى على حياتهم. في مسيرة أفلامه، يقدّم هو ناسا لا يمكن تخيّلهم – كما الحال مع الشخصيات الصحراوية في فيلم " فاتا مورغانا " ( 1970 ): السيدة عازفة البيانو والقوّاد عازف الطبل الذي يعزف موسيقى كاباريه في مبغى لانزاروته؛ الجندي المضطرب عقليا، الهارب من الفيلق الأجنبي، ممسكا برسالة ممزقة من أمه؛ الألماني المحب للسحليات. ممثل واحد بشكل خاص سيكون مرتبطا بهرتزوغ الى الأبد – كلاوس كينسكي، الذي ظهر في خمسة من أفلامه. حَصْر غضب كينسكي وعجرفته في مجرى مبدع على الشاشة كان إنجازا هائلا. لكن الإنجاز الأعظم كان استنباط رقة كينسكي، مرحه، وحتى تحفظه.
حب هرتزوغ يُعنى بأي شيء في الكائنات البشرية يسعى الى الاتصال، الى المعنى – حتى عندما يبدو الشكل الذي يأخذه هذا السعي شاذا، مجنونا وفي غير موضعه. هو هناك في هوى ديتر دنغلر للطيران، هذا الهاجس بالأمان والحرية في السماوات، التي بدأ وهو صبي صغير يحدّق بها حين قصفت طائرة امريكية قريته البافارية.
ما من فيلم أظهر مثل هاته الافتتانات الهادية بشكل أكثر وضوحا من " فيتزكارالدو " ( 1982 ).  إنه غريب حين يبدو انه يقيم اتصالا، وهو مذهل بالطريقة التي يكون بها ديفيد لين أحيانا – لين، الذي كان مشروعه الأخير الذي لم ينجز  اقتباسا عن رواية جوزيف كونراد " نوسترامو " [ تحوّل فيما بعد مسلسلا مصغرا من إنتاج البي بي سي ]، رواية عن مناجم الفضة وثورة الجنوب الامريكي. ثمة شيء من " جسر على نهر كواي " في هوى " فيتزكارالدو " الأحادي المسّ لجلب الأوبيرا الى الغابة. في سبيل تحقيق ذلك، كان عليه أولا أن يسحب مركبا بخاريا ضخما على تل عال يقسم نهرين، متفاديا منحدرات النهر غير الصالحة للملاحة، وهكذا سلك طريقا مختصرا الى غابة من أشجار المطاط. يعرض لنا هرتزوغ آلية إنجاز هذا العمل، حين يسحب فعلا الممثلون وطاقم الفيلم ( وعدد كبير من السكان المحليين الـ ’’ أكستراس ‘‘ [ أشخاص يُستأجَرون للتمثيل في مشهد جماعي ] ) ذلك المركب فوق الوحل المائع. إنه عمل شاق، استثنائي، ومجنون. مع ذلك، يُكلل جهدهم بفشل فوري؛ خيبة الأمل الواضحة للحلم. لو كان الفيلم توقف عند هذا الحد، لكان مساهمة جميلة عن إخفاق الطموح البشري. لكن في النهاية، يجلب فيتزكارالدو فعلا الأوبيرا الى الداخل، الى السموّ في تلك الدقائق الأخيرة التي تأخذ الفيلم الى الأعالي التي حتى لين لم يفكر ببلوغها.
هوية هرتزوغ كصانع أفلام هي مميّزة جدا، بحيث أنها تشي حتى بالأفلام التي تبدو على نحو مريب فقط أنها أفلامه. فيلم " ناس سعداء " ( 2010 ) كان في الحقيقة من إخراج ديمتري فاسياكوف، والفيلم الاستثنائي " رجل رمادي " ( 2005 )، هو تقريبا تعاون مشترك مع رجل ميت، مركّزا على اللقطات التي صوّرها تيموثي تريدويل عن أصيافه التي قضاها بين الدببة الرمادية في الاسكا. في كلا الفيلمين يبني هرتزوغ المادة، والأهم من كل شيء، يتصرّف كمفسِّر لها، مكتشفا شيئا خياليا في عمل صانع فيلم آخر. ربما كانت اللقطات صُوِّرت من قبل شخص آخر، لكن افكار الفيلم جاءت من هرتزوغ. " رجل رمادي " هو فيلم عن تقاطع الخط الفاصل الإنساني- الحيواني ( رحلة أخذت تروديل الى حتفه الأخير )، وهو أيضا حول السينما نفسها. طابق تروديل نفسه بحماقة مع الدببة الذي يصوّرها، لكن أيضا مع الكاميرا التي تصوّره. ولإكمال دورة الهويات المتدفقة، من الصعب عدم الإحساس بأن هرتزوغ يقف بعيدا عن تريدويل، ناظرا اليه، بينما هو بطريقة ما يتضاعف معه.
كان هرتزوغ صنع حفنة من أفلام أكشن هوليوودية، مثل " فجر الإنقاذ " و" الملازم السيئ " ( 2009 )، وكلاهما يستحقان المشاهدة. ( في الفيلم الأخير، كان فخرا لهرتزوغ أن ينتزع ذلك الأداء العظيم من نيكولاس كيج، الذي تعوّد في الغالب أن يهبط بأدائه أثناء أي فيلم . ) مع ذلك، في الجزء الكبير من فترة أفلامه الأكشن، من " إشارات الحياة " ( 1968 ) الى " فيتزكارالدو "، حسّ هرتزوغ عن التوقيت والإيقاع هو لاهوليوودي الى أبعد حد. أفلامه آسرة؛ ليست فخمة أبدا، لكنها بطيئة؛ فيها إطالات؛ اشياء يمكن أن تجري بضجر. فيلمه، الذي افترض إنه يدعى مجازا ’’ وثائقي ‘‘، عن الصحارى، " فاتا موغانا " ، يُفتتح بثماني لقطات موسعة عن ثماني طائرات جت تهبط على المدرج؛ في اللقطة الخامسة وجدت نفسي أتلوّى على مقعدي من الإحباط. تتبعها لقطات طويلة، دائرية، ملتفة عن الصحراء. مع هذا، يترك إيقاعه للحظات مجالا للسكون ويتيح للموضوع أن يكشف عن نفسه. لكن فقط حين تدخل الحيوانات والبشر السخفاء على نحو لا يُطاق الفيلم، يبدأ اهتمامنا باليقظة.
في النهاية، برغم الكآبة العظيمة التي تغلف فلسفته، يبقى هرتزوغ واحدا من أكثر صنّاع السينما الأحياء شهرة، وتأثيرا راقيا. القصة المروية في " ديتر الصغير بحاجة الى الطيران " هي تقريبا متجهمة على نحو لا يطاق. مع هذا، في الأخير، يكرّم الفيلم فكاهة دنغلر الطيبة، مرونته، رغبته الغامرة في الحياة؛ بعد وصف التعذيب المريع الذي ابتلاه به الفيت كونغ، يهز كتفيه لامبالاةً ويقول: (( كانوا دائمي التفكير بأشياء جديدة يفعلونها معي! ))
لأكثر من خمسين عاما، كان هدف هرتزوغ إنتاج صور ملائمة لواقعنا. في ختام " بلاد الصمت والظلمة " ( 1971 )، يصوّر هرتزوغ هنريش فلايشمان، رجلا أصما واعمى معا، كان نسى كيف يتكلم ويكتب، وعاش جزءا من حياته في حضيرة مع الحيوانات. حالة فلايشمان هي من المحتمل من الكآبة التي لا يمكن تخيلها. ومع ذلك، إذ يشارف الفيلم على النهاية، يتحرك فلايشمان، نزقا ومحبطا، بعيدا عنّا ويسير عبْر حديقة، حتى يتعثّر بشجرة. قد تكون هذه اللحظة يائسة، وحتى هزلية بيأس، حتى يتوقف هو ويدنو من الشجرة، ومن ثم، متلمسا طريقه بثقة أكبر، يتحسس بأصابعه الجذع والغصون والأوراق في حالة لا بد أن تكون نشوة من فضول وبهجة. إنها علامة على إنجاز هرتزوغ، الذي يقدمه لنا بالكثير من من الصور التي تكبّل هشاشتنا ومحنتنا.
 عن: الغارديان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram