TOP

جريدة المدى > عام > المربد.. بين الرتابة والخطابة

المربد.. بين الرتابة والخطابة

نشر في: 17 يناير, 2016: 12:01 ص

يبدو أننا في خطأ مرتين. مرةً أننا نتحدث بما لا يعني أحداً ومرةً لأننا نخاطب الوزارة وكأن الوزارة شخص واحد يعرف كل شيء ويدير كل شيء. المسألة الأولى تضطرنا إليها الغيرة والشعور بأننا نستطيع ان نكشف ، ان نوضح، الاّ نضن بمعلومة أو برأي. والمسألة الثانية،

يبدو أننا في خطأ مرتين. مرةً أننا نتحدث بما لا يعني أحداً ومرةً لأننا نخاطب الوزارة وكأن الوزارة شخص واحد يعرف كل شيء ويدير كل شيء. المسألة الأولى تضطرنا إليها الغيرة والشعور بأننا نستطيع ان نكشف ، ان نوضح، الاّ نضن بمعلومة أو برأي. والمسألة الثانية، لابد من تقدير الوضع الائتلافي في الوزارة واختلاف الرؤى والثقافات. فصار العمل تنفيذ وحدات برامج موروثة. اما صيغ التنفيذ، فلا يعقل ان الوزير يعلم بكل التفاصيل.

ما حرمنا من التطوير والتجديد وما ابقى الوزارة – وزارة الثقافة – بهذه الدوامة المكوكية المتشابهة والمملة واللامجدية، هي ان اي وزير يأتي فثمة جوقة من المحشوين بالألفاظ والملق الاصطيادي يتهافتون عليه وكل يكوّم ألفاظه وما يسميه مقترحات. وهي لا تعدو الفاظاً قشاً. حتى إذا خرجوا منه وتحرر منهم لا يجد رأياً عملياً واضحاً ومدروساً. حصل هذا في  ولاية الاستاذ مفيد الجزائري وحصل هذا أخيراً في الولاية الحالية للاستاذ رواندزي فضيعوا علينا وعلى الوزارة إعادة التفكير والتطوير بما هو جديد وعملي ممكن.
اذكر أني لم أزر صديقي مفيد الجزائري في الوزارة وحتى غادرها. التقيت به خارج الوزارة مرة. ولم أزر أحداً من أصدقائي في الوزارة حتى اليوم ومنذ التغيير السياسي. وحين جاء الاستاذ فرياد رواندزي، لم اذهب لتحيته ومباركته وهو عزيز عليَّ ومحترم. اكتفيت بخطاب من بعيد عبر مقالاتي. سيقول قائل حين لا نذهب أنت أو أنا طبعاً يبقى الجو للمنافقين والمنتفعين ممن نشكو منهم. أقول هذه اجواء نفاقية انتفاعية كاذبة مليئة بالمداهنات والترضيات. ستكون النظرة لك والاستماع لك مثل تلك التي لهم ويمكن للمرء ان يحترم نفسه. فإذا رأى أمراً أو رأياً، يمكن كتابته، والمودة مشتركة هو يقدرها وانت.
كتبت في العام الماضي "ماذا نريد من الوزارة ، ماذا نريد من المربد" واطلع الوزير عليه ونقل لي الاستاذ مفيد الجزائري ارتياح سيادته واقترح عليَّ ان ازور السيد الوزير وتقديم جملة الافكار بشكل موسع. لكني بقيت عند رأيي. فهكذا أنا مع جميع وزراء الثقافة ووكلائها ومديريها. مودة واحترام عن بعد.
بعد هذه المقدمة الطويلة، اردت القول ايها السيد الوزير، مدمنو الزيارات ومدمنو الدوران حولك هم سبب ابقاء الوزارة على ما هي عليه. ألفاظ ولا رأي. رأي  ربما لكن ليس عملياً ولا ممكناً . هذه السنة، وقبل اسبوعين من المربد، اتصل بي الاخ فاضل ثامر يعرض عليَّ رغبة السيد الوزير بتكريمي برئاسة مهرجان المربد، وهو تقليد حصل مرةً للراحل د. علي عباس علوان. قلت له: شكراً صديقي، واسألك: ماذا تعني رئاسة المهرجان، وأين هو مغزى التكريم؟ ستكون كلمة للمحافظ، كلمة لرئيس اتحاد الادباء- المركز وكلمة رئيس فرع البصرة. ما هو دور هذا الفزّاعة الجالس في القاعة ، الذي تسمونه رئيس المهرجان؟ وهل تعوزنا رئاسات ؟ يا صديقي يا رئيس اتحاد الادباء والكتاب في العراق، انا الآن لامستُ الثمانين من عمري وصدر كتابي الاربعون، ماذا تعنيني امور شكلية مثل هذه؟ وهل عجزتم عن ابتداع تقليد جديد لتعودوا الى تقليد جرّبناه وتركناه؟ اعتذر ولن احضر المربد هذا العام واتمنى لكم التوفيق! بعد أيام اعاد عليَّ الطلب نفسه صديقنا حسين الجاف واعتذرت ايضاً. لا غضباً اوطمعاً بشيء ولا كبرياء، أبداً! ولكنه الاسف للرتابة والشكليات الفارغة والدوران في الفلك القديم الذي ما عاد يصلح للحياة ولا للناس!
بعد هذه المقدمة الطويلة، التي رأيتها ضرورية ، اردت ان اقول للاستاذ العزيز رواندزي وزير الثقافة ان مدمني الدوران في الوزارة، اولاء "الحبربش" عبر كل السنين لا ينفعون الوزير برأي ولا يتركونه يفكر هو ليأتي برأي. أما مَنْ هم في الوزارة، فلا أحد يضيف ورقة جديدة مادامت امامهم ملفات جاهزة ومجرّبة. وما قلناه وكتبناه في السنة الماضية عقب المربد وما كتبه غيرنا، لم يدفع احدا حتى للنظر في قوائم المدعوين ولماذا التكرار؟ لماذا التعب؟ القوائم جاهزة ومفردات العمل واضحة والباقيات الصالحات ...
وهكذا انتهت السنة كما انتهت قبلها سنوات ولا تغيير ولا اضافة. العالم يتغير، ما علينا نحن من العالم؟
ما يهمنا ان مربد هذه السنة جاء والدولة في أزمة اقتصادية خانقة والوزارة تقنِّن إنفاقَها. فكيف؟ لكي تظل الوزارة مرضيّاً عنها ويكون الوزير "متجاوباً" ، يجب ان يقام المربد وألاّ تتخلى الوزارة عن تقليد عتيدٍ تليد.. ونحن أيضاً، لسنا ضد انعقاده  ولا ضد السخاء عليه..
لكنني أسأل : في ظروف متأزمة والناس قلقون على عيشهم ومستقبلهم وفي هذا الوضع المالي الصعب، أما كان ممكناً أن نفكر تفكيراً ايجابياً آخر يجعلنا أو يمكنِّنا من حل إشكال ثقافي دائم بالمبالغ المصروفة على قراءات شعرية يمكن أن تتولاها مقرات فروع الاتحاد واتحاد المركز، كأن تذهب مجموعة من الشعراء من البصرة الى ميسان وشعراء من ميسان الى بغداد ومن بغداد الى البصرة او ديالى وهكذا اسبوع للشعر في المحافظات كلها، وتوفير المبلغ الذي يقارب المئة وخمسين مليونا لانشاء مجمّع طباعي في البصرة ؟ "دور النشر الصغيرة تستخدم جهازا بسيطا ورخيصا من نوع اجهزة الاستنساخ ريليف يدفع خمسمائة نسخة مرة واحدة وهو رقم كاف للسوق العراقية والمؤلف العراقي" ، مجمع يمكن ان يغطّي احتياجات المحافظات الجنوبية ليتمكن الأدباء والأساتذة في الجامعات هناك من طبع مؤلفاتهم بأسعار رمزية؟ وحتى لو أرجأنا المربد سنتين! كم تألمت  حين قرأت ان أديباً كبيراً يشكو من عدم وجود ناشر! اليس انشاء مجمع طباعي متوسط الامكانيات اجدى وارسخ، وبديلاً مجدياً عن قراءات شعر أغلبه ليس شعراً ويمضي مع الريح بعد ثلاثة ايام؟ مئة وخمسون مليونا لمئة وثلاثين مدعوا هذا مبلغ كبير. كم يكلف المدعو يا ناس؟ اسألوا انفسكم؟
ضعوا بيد اتحاد ادباء البصرة خمسين مليون دينار، فقط لـ 100 مدعو فقط، هم يختارونهم وليعطوا هم كلَّ مدعو للمربد 500.000 نصف مليون دينار لسكنهِ وغذائه وتُحدّد الفنادق المسموح بالسكن فيها لسهولة التجمع. وسيرضون جميعاً وسيسكنون ويأكلون افضل. وبهذا نوفرّ مائة مليون دينار ، دفعة اولى للمجمع الطباعي المطلوب لنكمله في المربد القادم. وفي حال كهذه انا مطمئن ان الوزارة ستزيد المبلغ والمحافظة ستزيد مبلغها، كلاهما سيفرحان ويشجعان المشروع.
وسوف لن يقل ما نوفره بعد الزيادة، المُتوقّعة جدا لهكذا مشروع مجدِ، عن مئتي مليون دينار في سنة واحدة! وهذا مبلغ كافِ لمجمع بسيط نطوره في السنة القادمة. أما الآليات وإدارة المُجمع، فهذه مسائل ادارية وفنية لاحقة واضحة الخطوات ومعروفة.
حسناً، إذا ترددنا الان عن ذلك، فلنوفر المبلغ لبناء قاعة لنشاطات ادباء البصرة وفنانيها بدلا من السعي لقاعة الادارة المحلية او النفط. إذا لم يكن المجمع فلتكن القاعة! أم لا هذا ولا هذه بل نقرأ شعراً ونعود، فهذا يمكن ان يكون في زمن الثراء والإعلام. لو ان الدولة بعافيتها وأموالها، ما كنّا نقول بهذا، فهي مشاريع دولة لها تخصيصاتها. أما والواقع هو هذا ولسنين قادمة، فليكن عملنا ثقافياً ولكن اقتصادياً مدروساً وان نضع المبالغ التي تحصل عليها في مكانها! والا هل يُعْقَل ان البصرة أُم الادب واللغة والفنون لا يملك أدباؤها مقراً خاصاً بهم ولا قاعة للنشاطات الادبية والفنية ولا يستطيعون طبع مؤلفاتهم ونحن نصرف مبالغ كبيرة على قراءات شعرية يمكن الاستغناء عنها أو إقامتها ببدائل، وهذه البدائل ستشكل لنا تجارب جديدة لها مذاقها الخاص وغير مُكلِفة، لسنتين في الأقل ثم نعود!
أنا الآن لا أُريد الحديث عن الشعر ومستوى ما يُقرأ فبالتأكيد فيه ما يستحق الثناء وان خيره الواضح هجاء اجتماعي سواء كُتِبَ شعراً أو نثراً. الاجتماعي فيه هو الطاغي لا الفني. ليكن، هذه حاجة اجتماعية نحترمها. لكن ماذا يجدي الهجاء والنقد الاجتماعي؟ هل نريد ان نقول للناس ان الوضع سيئ، شنيع، غير مقبول وكأنهم لا يعلمون؟ نعم، ها أنا اقولها الآن ولا حاجة للقاعة: سيئ، سيئ، سيئ... الى "سابع ظهر"! من يسمع  ومن يستحي؟ تشتمة، تقول له انت لص، فاسد وهو يبتسم ولا مانع من ان يقول نحن نضحي من أجل العراق!
معذرةً، هذا استطراد فُرِضَ عليَّ، دعوني أعُدْ لما كنا بصدده وهو استكمال منشآتنا الثقافية، والتصرف بما نحصل عليه من مال.
اعني ان نبدأ بتأسيس مجمع طباعي في مدينة الفن والتأليف باسم مجمع المربد للطباعة وهذا ما يليق بالبصرة وما تحتاج له ورشة العراق الادبية. اما القراءات الشعرية فإذا عزَّ المكان وضاقت الحلول، تعالوا هنا في بيتي واقرأوا شعراً حتى الصباح سأجلب لكم فرقة موسيقى شعبية وسنجعلها "هوسة" للضالين...
هذا كله لا يمنع ابداً من ان أحيي اصدقائي في اتحاد ادباء البصرة على جهودهم وحماستهم وحرصهم. تستحقون الثناء انتم ايها المخلصون للثقافة والادب. لكننا لسنا عاطفيين. نحن ناس موضوعيون ونجتهد لوضع الامور في نصابها. ايها الاصدقاء في الوزارة، دعوا البصريين يتولون مربدنا البصري وهم سيوفرون ثلثي المبلغ ليفيدوا منه وكما أوضحنا. لا ضرورة لبعض من الدعوات الخارجية. لدينا قيامة من الشعراء وشعرنا افضل مما نسمع منهم، ثم إنّا نستطيع شراء دواوينهم. لتكن الدعوات حصراً لخمسة أو ستة أساتذة معروفين في النقد واللغة والنقد المقارن والفكر. وأولاء سيتمكن اصدقاؤنا البصريون بشطارتهم من توفير تذاكرهم مجانا من الخطوط الجوية او تبرعا من مؤسسات أخرى. هؤلاء هم من نحتاج لهم لإغناء ثقافتنا الادبية ولسماع آرائهم.
اما دعوة "هذا" و "تلك" وتكرارهما كل سنة، فنحن نعلم انها ليست لسواد عيون الادب. لماذا تكررون اسماء بعينها؟ الا يوجد احد سواهم في مصر، في المغرب العربي، في لبنان ... ؟
 بايجاز: ليكن عدد المدعوين مئة 100 اديب وليقل عدد الدعوات من الخارج وضعوا المبلغ بيد ادباء البصرة وسيحسنون التصرف به ودعوا لهم الدعوات. واذا كان لابد، فجددي قوائم الدعوات يا وزارتنا! نقدر حرصكم يا اصدقاءنا ولكن ثمة من يدس الخيط الشخصي في النسيج العام، ولا نريد ان نقول كل شيء!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

عباس المفرجي: القراءة الكثيرة كانت وسيلتي الأولى للترجمة
عام

عباس المفرجي: القراءة الكثيرة كانت وسيلتي الأولى للترجمة

حاوره/ القسم الثقافيولد المترجم عباس المفرجي بمنطقة العباسية في كرادة مريم في بغداد، والتي اكمل فيها دراسته الأولية فيها، ثم درس الاقتصاد في جامعة الموصل، نشر مقالاته في جرية الجمهورية، ومجلة الف باء، قبل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram