TOP

جريدة المدى > عام > رحيل فنانة الأناقة العراقية هناء برتو

رحيل فنانة الأناقة العراقية هناء برتو

نشر في: 18 يناير, 2016: 12:01 ص

شعرت بقشعريرة سرت بين ضلوعي عندما علمت ان صديقتي هناء برتو قد توفيت. لقد عانت من المرض العنيد لسنوات، ولكن لم أكن أتصور انها ستتركنا وتغيب عنا بهذه السرعة، وان الموت قابع في انتظارها عندما دخلت المستشفى منذ أسبوعين في الولايات المتحدة. الموت هو الرحي

شعرت بقشعريرة سرت بين ضلوعي عندما علمت ان صديقتي هناء برتو قد توفيت. لقد عانت من المرض العنيد لسنوات، ولكن لم أكن أتصور انها ستتركنا وتغيب عنا بهذه السرعة، وان الموت قابع في انتظارها عندما دخلت المستشفى منذ أسبوعين في الولايات المتحدة. الموت هو الرحيل عن أحب وأقرب الناس لها.
فكرت في هناء وقلت: هذه هي الحياة، فكل شيء يجب ان يمر ويزول. كلنا نخاف من النهاية، نفكر دائماً ما الذي سيحدث لنا عندما يغلق العالم بابه علينا، لكن الانسان يركز دائماً على الحياة والاحتفاء بها وليس الموت، ونحن غير متحضرين لقبول فكرة الموت، لكن الانسان مهدد بالنهاية الحتمية.
يقول الكاتب الروماني سيشرون: علينا ان نقبل ان الحياة قرض أعطي لنا من قبل الطبيعة، من دون تاريخ محدد، وان دفع هذا القرض ربما يُطلب منا في أي وقت".
السيدة هناء برتو من النساء القليلات اللواتي تخصصن في تصميم الأزياء في العراق. وتصميم الأزياء الجيد هو الاختزال الذي يعّبر عن شكل أوضح عن جمال بدن الأنثى، وتوافق التصميم في التعبير عن هذه الجمالية.
وقد كتبت عن هناء برتو في كتابي "هكذا مرت الأيام"، وعن اعتقالها عام 1963 في سجن النساء ببغداد، وكان من حسن الحظ انها استطاعت قراءته قبل ان يهيمن المرض عليها:
"ذهبت في تلك الفترة بصحبة أم رفعة (الجادرجي) لزيارة سجن النساء، فقد ألقي القبض على عدد كبير من الطبقة المثقفة من نساء العراق آنذاك، فوجدت الدكتورة روز خدوري عميدة كلية البنات بانتظارنا، كانت ذات معنويات عالية، تحس بأنها الدرع الذي يحمي النساء الشابات والفتيات في ذلك السجن الرهيب بجدرانه المتفطرة، وأرضه الرطبة، لا يقيهن من برد الشتاء القارس إلا البطانيات التي وزعت عليهن في السجن. تتكلم بثقة وحماس، لم يوهن السجن عزيمتها، بل زادها صلابة وصمودا. تنقلت بين السجينات كما كنت أتنقل بينهن عندما كن زميلاتي في العمل في كلية البنات. كانت تربطني بمعظمهن علاقة صداقة حميمة.
كانت بينهن هناء برتو، مدرسة تصميم الأزياء، التي لم يمر على عودتها من سويسرا بعد تخصصها في تصميم الأزياء، أكثر من عام ونصف العام. كانت فتاة في غاية الرقة والجمال. لم تبلغ عامها الخامس العشرين بعد، ذات عينين كستنائيتين واسعتين، تطوقهما أهداب وحاجبان كثان، وبشرة رقيقة بيضاء، تتهدل خصلة من شعرها الكستنائي الأملس على جبهتها فتغطي نصف وجهها. كانت حاملا في شهرها الثالث عندما ألقي القبض عليها في كلية البنات، لم يعر الحرس القومي أي أحساس لمدرّسة حامل في السجن.   
عدت متألمة بعد تلك الزيارة، صور أولئك الثلة من النساء اللواتي يمثلن صفوة المجتمع العراقي، يقبعن في سجن مع مجرمات عاديات!! .. تطفو تارة صورة هناء الأنيقة بأناقة نساء فرنسا في ملابسهن وهندامهن، وصورة هناء المتشحة بثوب واسع في سجن النساء تارة أخرى!! ظلت تلك الصور تقض مضجعي، فافتح عيني، أعركهما عَلِّي أزيل الكابوس الذي خيم عليّ."
علينا ان نحتفل بما قامت به هناء برتو وانجزته، وأتمنى ان تنشر اعمالها وتخطيطاتها. وهناء هي شقيقة الدكتور فاروق برتو والسيدة بشرى برتو.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. خالد

    الشكر الجزيل للأستاذة القديرة بلقيس شرارة

  2. خالد

    الشكر الجزيل للأستاذة القديرة بلقيس شرارة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

عباس المفرجي: القراءة الكثيرة كانت وسيلتي الأولى للترجمة
عام

عباس المفرجي: القراءة الكثيرة كانت وسيلتي الأولى للترجمة

حاوره/ القسم الثقافيولد المترجم عباس المفرجي بمنطقة العباسية في كرادة مريم في بغداد، والتي اكمل فيها دراسته الأولية فيها، ثم درس الاقتصاد في جامعة الموصل، نشر مقالاته في جرية الجمهورية، ومجلة الف باء، قبل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram