اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > مطلوب عشائرياً .. موروث خاطئ ينتهك الأملاك

مطلوب عشائرياً .. موروث خاطئ ينتهك الأملاك

نشر في: 18 يناير, 2016: 12:01 ص

الحالة العراقية خاصة جدا، من خلال شكل التغييرات الاجتماعية التي طرأت عليها  وباتت حالة فنطازية ، اذ دخلت النكتة في شتى المجالات حتى تجاوزت المحظور السياسي والديني. وفق ذلك تستحضرني نكتة بهذا الشأن ، وهو موضوع التهديدات العشائرية وتفشى ظاهرة الكت

الحالة العراقية خاصة جدا، من خلال شكل التغييرات الاجتماعية التي طرأت عليها  وباتت حالة فنطازية ، اذ دخلت النكتة في شتى المجالات حتى تجاوزت المحظور السياسي والديني. وفق ذلك تستحضرني نكتة بهذا الشأن ، وهو موضوع التهديدات العشائرية وتفشى ظاهرة الكتابة على البيوت والاملاك (مطلوب عشائرياً). ذات يوم توفي والد احد الاشخاص ، واثناء مراسم الدفن لم يكن يحمل المبلغ الكامل ، لذا اتفق مع الدفان ان يسدد بقية المبلغ يوم الاربعين ، لكنه وبسبب ظرف طارئ تعذر عليه الذهاب الى المقبرة وايفاء الدين . بعد مرور قرابة ثلاثة اشهر ذهب لزيارة قبر والده ولإيفاء الدين لكنه فوجئ بل فزع حين قرأ على سطح القبر وقرب الشاهدة عبارة (مطلوب عشائريا)

 

ابتزاز واستهداف
الباحث الاجتماعي "عبد المهمين كريم" تحدث لـ(المدى) قائلا : الحقيقة انه موضوع شيق ويمس شرائح كبيرة ومتعددة من مجتمعنا. مشيرا الى بعض الحالات التي تحدث بسبب خلاف بسيط يحصل اثناء الواجب او من خلال الوظيفة لكنه للأسف يصل الى مرحلة لا تحمد عقباها تبدأ بالتهديد وربما تنتهي بالقتل او حرق البيت وتشريد اهله. موضحا: ان السبب هو ضعف الرادع القانوني بالاساس وثانيا لتولي المشيخة ،مع كل اعتزازنا بكل الشيوخ،  أناس ليسوا اهلا لها.
واكد كريم : للاسف ،الطابع العشائري في البلاد لا يخضع للقوانين أو الأخلاقيات الدينية وحتى وصايا المراجع ورجال الدين رغم الدعوات العديدة لذلك. مستدركا: بل انه يخضع للعرف العشائري فقط ووجهة نظر وربما قوة العشيرة. وهذا يعقّد قدرة الحكومة على ردع هذه الظاهرة التي اخذت تنتشر وتتفشى. مبينا: ان الكثير من الحالات فيها ابتزاز مالي او استهداف طائفي.  

لغة القوة والقانون
عضو لجنة العشائر النيابية "محمد الصيهود" قال: تفشت ظاهرة كتابة عبارة (مطلوب عشائريا) على جدران البيوت والمحال التجارية لمجرد خلاف يحصل بين اثنين أو بين عائلتين . وتعد هذه ظاهرة طارئة على مجتمعنا وعلى تقاليدنا العربية العراقية الأصيلة. مبينا ان هذا التصرف غير المسؤول يوقع الكثيرين في فخ الخلافات التي لا يمكن أن تحل بالقوة أو التهديد وانما بالطرق المعروفة : فاما من خلال القانون واخذ دوره بشكل كامل ، واما ان لا يكون هذا التصرف بمثابة إلغاء لدور الجهات الحكومية القانونية.
وشدد الصيهود على ضرورة ان يكون هناك دور لوجهاء العشائر والفصل العادل في قضايا يمكن أن تحل عن طريقهم. لافتا: اما كتابة تلك العباراة فهي حالة لا تنسجم وتطلعاتنا الواعية للتخلص من لغة القوة على حساب القانون ولا يجب في أي حال من الأحوال ان تكون العشائرية فوق  القانون.

المشيخة غير المسؤولة
الباحث في شؤون العشائر "ضرغام الموسوي" تحدث لـ(المدى) : لم تكن الحلول العشائرية بهذه  الصورة التي هي عليها الآن من حيث قيمة المبالغ ونوعها والإجراءات التي تسبق عملية التفاوض حول انهاء الخلاف. مبينا: ان الواجب على المطلوب عشائريا أن يخضع لنتائج تفاوض شيوخ العشيرة ووجهائها وغالبا ما تكون الحلول عقلانية وحكيمة تعيد الحياة الى طبيعتها بعيدا عن أية تجاوزات قد تلحق الضرر المادي أو الجسدي والنفسي بالجانب الآخر من خلال الاتفاق مع الطرف الآخر حول انهاء الموضع بشكل ودي ومسالم يضمن حق كلا الطرفين.
واسترسل الباحث الموسوي: اما في وقتنا الحاضر فاختلف الأمر وللاسف الشديد من خلال تصرفات ربما تكون غير مسؤولة للبعض ممن تسلم مشيخة هذه العائلة او ذاك الفخذ العشائري او ما يعرف (العمة) اي كبير إخوته وأبناء عمومته. مضيفا: وذلك من خلال التهديد والوعيد بكتابات توحي بالعنف أو استباحة الأرواح والأملاك ومن ثم يتشعب الموضوع ليصبح أكثر خطورة وأوسع حجما وربما يصل مرحلة القتل. مؤكدا على "اهمية ان يكون القانون هو الفصل في كل النزاعات  وان تترسخ قوته حتى تختفي تلك المظاهر التي لم تعد تتلاءم عصرنا وبعيدة كل البعد عن تاريخ العشائر العراقية الاصيلة."

تعويض مادي جرّاء التهديد
جريمة التهديد جاءت عامة في القانون قسَّمها المشرع ،والقول للقاضي سامي تركي، إلى جنحة إذا وقعت بنحو لفظي وفقًا للمادة (432) من قانون العقوبات، أما إذا حصلت بدافع القتل فتحدثت عنها المادة (430) من القانون ذاته على أنها جناية.
وأضاف تركي أنه بعد ورود شكوى إلينا عن تهديد عشائري تتخذ الإجراءات القانونية باستقدام المتهم أولًا ان كان بإطار الجنحة، وإذا لم يحضر تصدر بحقه مذكرة قبض، أما إذا كان التهديد تحت مظلة الجناية فإن أمر القبض يصدر بنحو مباشر. منوها: بعد استكمال الاجراءات التحقيقية نحيل المتهم على المحكمة المتخصصة لتجرى محاكمته.
وأوضح القاضي تركي: أن معرفة حيثيات التهديد ودوافعه تمنح المحكمة القدرة على تكييف الواقعة في كونها جناية أو جنحة، وأن القضاء يسهم ببعض الإجراءات التي تحمي المشتكي من التهديد العشائري. مستدركا: لأنه وفر للتحقيق القضائي مكتباً يجنبه الذهاب إلى مركز الشرطة القريب من داره. مبينا: أن القانون يمنح الضحية الحق في المطالبة بتعويض مادي عن طريق المحاكم المدنية إذا لحق به ضرر جراء التهديد، كأن تقع الجريمة على محله التجاري ما يؤدي إلى إغلاقه.

الشرائع السماوية والقوانين الوضعية
تحول المجتمع الى ساحة للصراع على اساس البقاء للأقوى ، خطر كبير اخذ يدمر المنظومة  المجتمعية حيث نشبت خلافات عديدة لأسباب بسيطة كان بالإمكان حلها في دقائق ، لكن تسرع البعض واستغلال السلطة العشائرية تسبب بذلك .
عن ذلك يقول الشيخ عماد لطيف العتبي: الكتابة على بيوت ومحال المطلوبين عشائريا بعبارات تشير الى عدم التصرف بالملك الخاص مثل المحل والبيت مثل (مطلوب عشائرياً ، لايباع ولايشترى ، مطلوب دم)، ظاهرة غزت البلاد في السنوات الاخيرة. معتبراً إياها من الظواهر السلبية والخطيرة والدخيلة على الروابط والعلاقات الاجتماعية والعشائرية في المجمتع العراقي الذي يمتاز بحسن الجوار وطيب العلاقات والروابط الاجتماعية المتراصة. مشددا: ان المجتمع العراقي يمتاز بالمروءة والكرم والوقفة الجماعية في شتى المناسبات.
وطالب العتبي رؤساء القبائل وشيوخ العشائر والوجهاء والخيرين والشباب الواعي ان ينبذوا هذه الظاهرة والتصدي لها بكل قوة وحزم وتخليص الناس من هذه الآفة التي يستغلها البعض من ضعاف النفوس وممن يستغلون عشريتهم. مؤكدا: ان الشرائع السماوية والقوانين الوضعية لاتسمح بتهديد وتعنيف واجبار اي شخص لم تكن لديه يد فيما قام به الغير من اية عشيرة وقبيلة في ان يحدد ويوقف مصدر رزقه او محل ايواء عائلته.

طلبات الأجهزة الأمنية ؟
لم يتوقف الامر على العراقيين داخل البلد فمن فضل منهم الهجرة او هجر لم ينجُ من هذا الامر خاصة اولئك الذين تركوا املاكهم . اذ يقول المحامي حسام الكناني لـ(المدى) أن لديه عشرات القضايا تعود لعراقيين هجروا او هاجروا ولديهم املاك لا يستطيعون التصرف بها بسبب بعض المشاكل او من استغل سفرهم وادعى وجود ثأر عشائري ، منها من اكتفي بالكتابة على البيت ومنها ما تم استغلاله بعد فترة وتم الاستيلاء عليه. موضحا: ان احد اسباب ذلك محاولة شراء البيت او الملك بسعر اقل من قيمته الحقيقة. مشيرا الى ان البعض من ضعاف النفوس اصحاب مكاتب الدلالية والعقارات لهم يد بذلك خاصة البيوت غير المشغولة او التي تعود الى اناس هاجروا او ممن هجر لأسباب طائفية.
واستطرد الكناني: ان البعض من المشاكل الجنائية والقضائية اخذت تُحل بما يسمى "العرف العشائري" بعد اتفاق الأطراف المتخاصمة او المختلفة بعد عجزهم عن التوصل او الاتفاق على الحل او العقاب القانوني المتمثل بسلطة الدولة. مشيرا إلى ازدياد هذا الظاهرة بشكل كبير بعد عام 2003 ، اذ اخذ الكثير من الناس لايثقون بقدرة الأجهزة الأمنية اضافة الى ضعف مؤسسات الدولة لذا قرروا اللجوء إلى العشيرة لتأخذ حقوقهم وتحل مشاكلهم. مؤكدا: في الكثير من الاحيان تطلب الاجهزة الامنية من المتنازعين حل قضاياهم الخلافية عشائريا معللين ذلك بانشغالهم في محاربة الارهاب.

فارزة

ان تفشي هذه الكتابات والمغالاة فيها هي احدى محاولات الغاء القانون وتهميش القضاء الذي يعد الجهة الفاصلة والحاكمة بشتى انواع الخلافات والنزاعات ، وهو الجهة الوحيدة ايضا المخولة بوضع اليد وحجز ممتلكات واموال من تجده ارتكب جرما بحق الاخرين.  بالتالي فإن اية كتابة على املاك المواطنين تمثل استهتارا بمؤسسات الدولة الامنية والقضائية واستهتارا بمقدرات المواطنين وممتلكاتهم ومستقبل عوائلهم. تشير التقارير واستطلاعات الرأي الى ان بروز اية ظاهرة شاذة ومخالفة للقيم والاعراف الانسانية والقانون تعود الى ضعف المؤسسات الرسمية للدولة وترنح القوانين او استشراء حالات الفساد الاداري والمالي وتولي اشخاص غير أكفاء لقيادة هذه المؤسسات التي خضعت في العراق لكل انواع الفساد والمحاصصة بانواعها.
وقوف المؤسسات الرسمية المعنية بالامر مع شيوخ ووجهاء العشائر موقف المتفرج على تفشي هذ الظاهرة "وضع اليد على عقارات المواطنين واحتجازها" تحت شعار (العقار مطلوب عشائريا) (ويمنع بيعه او تأجيره او شرءه) له مساس بهيبة الدولة ومؤسساتها اولا وبالأمن المجمتعي ثانيا، وثالثا الاساءة الى تاريخ العشائر العراقية التي عرف الكثير منها بتاريخها الوطني ومواقفها الوطنية. بالتالي لابد من وضع حد لمثل هذا الابتزاز الشخصي والسلوك غير الحضاري الذي ليست له اية علاقة بالعشيرة او القبيلة وان كان كذلك فهو عبر البعض من ضعاف النفوس. خاصة ان الجميع يسعى الان الى تفعيل القوانين التي تقطع الطريق على هؤلاء من اجل اشاعة روح التسامح والاحتكام الى القانون ومؤسسات الدولة المدنية المتحضرة.  
ان اتساع هذه الظاهرة سبقه التلقب بالعشيرة خاصة في التسعينات حين ضعفت السلطة التي عادت الى إحياء روح العشيرة والعشائرية لتأتي مرحلة ما بعد التغيير النيساني وتفشي ظاهرة التلقب العشائري خاصة عند المسؤولين دون ذكر اسماء او مراجعة لذلك . لكن من خلال احصاء سريع تبين ان نسبة 60 % من مسؤولي الدولة في البرلمان والحكومة والمؤسسات التابعة لهما جعلوا من اسم العشيرة لقبا لهم حيث سرى الامر على بقية الناس. بعد ان كانوا يلقبون بمهنهم او مناطقهم السكنية ومازالت الكثير من العوائل البغدادية تحمل هذه الالقاب مثل الخياط، البقال، الرواف، الچادرچي الخاصكي الخ .
بسبب كل ذلك بات الأطباء، المهندسين، العمال، الحرفيّين، الآباء والأمهات، الأطفال الأبرياء، الفتيات الجميلات، الشعراء والمعلمون، الفقراء، المجانين وكل شرائح وطبقات المجمتع، مطلوبين عشائريا او مطلوبي دم.  حتى الأسواق التجارية والمولات والمنازل والمعامل والشركات، ترتدي شارات تهديد فهذا المنزل (لا يباع ولا يشترى) وذاك المبنى او المول (مطلوب عشائرياً)، وعيادة الطبيب الفلاني (مغلقة إلى إشعار آخر). والملعب الرياضي (مطلوب ولايسمح اللعب به) وربما ياتي يوم يصل فيها الطلب العشائري الى مراكز الشرطة او المحاكم القضائية وهو امر غير مستبعد في ظل التراخي الحاصل في منظومات الدولة والاجهزة الحكومية التي يتوجب عليها فرض الامن والامان واستمرار اختراقها من قبل العصابات والجهات الخارجة عن القانون وعدم تنقيتها من الانتماءات بشتى انواعها.
في الختام، لايسعنا الا توجيه السؤال الى الأجهزة الأمنية : لماذا هذا السكوت والسكون على هذه الخروقات خاصة ان بعض البيوت او الاملاك التي كتب عليها (مطلوب عشائريا) او (مطلوب دم) او (لايباع ولايشترى) على مقربة من السيطرات والمفارز الأمنية. وحسب احد الاشخاص الذي شاهد شبابا يكتبون على بيته (مطلوب عشائريا) كان أمام مرأى سيارة النجدة ، وحين اشار اليهم بذلك اخبروه: هذه مشكلة عشائر تحل بينهم. لم يكن امامه سوى السكوت والعودة الى سيارته والقاء نظرة على بيته المطلوب عشائريا والعبارة المكتوبة بلون احمر،  ليخضع بعد فترة وجيزة لسلطة العشيرة ودفع دية مقدارها (40) مليون دينار بسبب احتكاك بسيط بسيارته مع سيارة احد الاشخاص وحين تبادل معه الكلام قفزت مفردة من ابنه بحق الرجل لم تحمل من الاساءة ما يستوجب ذلك. لكن بمشورة صديقه الذي يرافقه والذي تبين معرفته بالرجل ومستواه المالي وصل الامر الى التهديد / تهجير العائلة/ اخافتهم / العودة الى العشيرة / الجلوس مع العشيرة الاخرى / الاتفاق على الدية / قبل ذلك خسارة قرابة 10 ملايين دينار بين عزومة وهدية لشيخ عشيرته ومن حضر معه الفصل ومن ساهم بتخفيض المبلغ من (250) مليون دينار الى (40) مليونا.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram