يعد المهندس المعماري الامريكي فرانك لويد رايت (1867ــ1959) احد اعلام مدرسة الحداثة المعمارية مع كروبيوس ولاكوبوزيه وسواهما .غير ان هذا المعماري الكبير كان عاشقا لبغداد ، وكان يمني النفس بان يرى بغداد تزهو بنهضة معمارية كبيرة تنبع مظاهرها من تراثها ال
يعد المهندس المعماري الامريكي فرانك لويد رايت (1867ــ1959) احد اعلام مدرسة الحداثة المعمارية مع كروبيوس ولاكوبوزيه وسواهما .غير ان هذا المعماري الكبير كان عاشقا لبغداد ، وكان يمني النفس بان يرى بغداد تزهو بنهضة معمارية كبيرة تنبع مظاهرها من تراثها المعماري والانساني . عشق رايت بلاد الف ليلة وليلة ، فزار بغداد في خمسينيات القرن الماضي وهو في التسعين من عمره .
وقدم للحكومة العراقية متمثلة بمجلس الاعمار تصميم جزيرة ام الخنازير لجعلها مركزا سياحيا وثقافيا في بغداد ، كما قدم تصميم جامعة بغداد في الجادرية ، غير ان الحكومة العراقية اختارت تصميما اخر للمعماري الشهير كروبيوس . ومن محاسن التأليف ان ينهد المهندس المعماري الاستاذ موفق الطائي الى تصنيف كتاب عن رايت وجهوده المعمارية في بغداد ، باسم ( جني بغداد ) الصادر عن مؤسسة المدى مؤخرا .
جاء بغداد سنة 1957 بدعوة من مجلس الاعمار ، وجال فيها برفقة مهندس عراقي رائد هو نزار علي جودة ( ابن رئيس الوزراء علي جودة الايوبي ) وزوجة نزار المعمارية الامريكية الن نزار ، ونزل في فندق الخيام المجاور لسينما الخيام . وفي تلك الايام رفض رايت تصميم اوبرا مدينة نيويورك ، حلم اي معماري عالمي ، وقال انه متفرغ لتصميم دار اوبرا على ارض بدأت فيها الحضارات الانسانية ، فخرجت الصحف الامريكية بان رايت تلبسه جنيّ بحب بغداد .
وعندما اجتمع بكبار المعماريين العراقيين قال لهم : اذا ماأردتم المعاصرة فعليكم دخولها عبر تاريخكم المجيد . وهي دعوة صريحة منه بعدم الافراط في تقليد العمارة الغربية بحجة المعاصرة والتجديد . حتى ان بعض المعماريين واجهوا دعوته بالبرود ، ومنهم المعماري الكبير قحطان المدفعي الذي قاطع رايت ولم يتجول معه .
قدم رايت تصميمه المذهل لجزيرة ام الخنازير التي سماها جنة عدن ، تماهيا مع اعتقاد المهندس الانكليزي العظيم وليم ويلكوكس بان جنة عدن تقع في المنطقة المحصورة بين بغداد والفلوجة . ومن المؤسف ان هذا المشروع وغيره لم ير النور بسبب عدم الاستقرار السياسي في العراق في السنوات التالية . وهو المكان الذي شيدت على ارضه جزيرة الاعراس ويمر فوقها جسر الجادرية .
ومن الاعمال التي عهد الى رايت بتصميمها ، بناية البريد المركزي في منطقة السنك في قلب بغداد ، وفي شارع الرشيد حيث الفنادة والاسواق والبنايات الكبيرة ببغداد يومذاك . انجز رايت تصميمه بنحو ثمانية اشهر ( وهو وقت قياسي ).. وكان يقول :
جيد، على كل حال لا اعلم ان كان هناك ثمة امل مشرق لمشروع بغداد ، انا على عجالة من امري، عليّ تجميعه وتقديمه لهم قبل فوات الاوان.. يبدو اني جئت على نهايات الامور ولا اعرف اي انطباع سوف اعطي ومع هذا فاني سأحاول .
قدم رايت مخططاته الى مجلس الاعمار في اوائل مايس 1958 ، وبعد فترة قليلة اندلعت ثورة 14تموز لتنهي كل شيء . بعد شباط 1963 رميت المخططات والرسوم فوق سطح وزارة الاعمار ، وقد انقذ المعماري الكبير معاذ الالوسي قسما منها ، ثم عثر المعماري سعد الزبيدي على قسم اخر في السبعينيات !! . توفي رايت في التاسع من نيسان 1959، وتمكن قبل وفاته من اقناع رئيس جامعة اريزونا بتنفيذ مسرحه الذي صممه لجزيرة ام الخنازير (جنة عدن) في ارض قريبة من تلك الجامعة ، ومن الجميل ان تحيط الجامعة المذكورة مسرحها الجديد بغابة تضم العديد من الاشجار القريبة من اشجار بغداد ومنها النخيل.