TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قبعة عواد ناصر

قبعة عواد ناصر

نشر في: 18 يناير, 2016: 09:01 م

في معرض تعليقه على سؤال  طرحه أحد أصدقائه  بأن سنوات  اقامته الطويلة في العاصمة البريطانية  لندن لم تضف شيئا على شكله،  وبدا كأنه جاء  قبل ساعات من مدينة العمارة حاملا غبارها ، قال الشاعر عواد ناصر : "مازلت  أشعر أنني ابن مدن  الجنوب ، في بغداد  سكنت في أكواخ الشاكرية ، ثم انتقلنا الى مدينة الثورة ، لم أنفصل عن البيئة الريفية ،  في مكان اقامتي  الحالي ، ما زلت اسمع نشيج داخل حسن حين يؤدي الطور الشطراوي ، آهات نسيم عودة تنقلني إلى أعماق الهور،  تأخذني  المشاحيف إلى أماكن قصية  تتخطى الأماني ، الشاعر  في شبابه كان يتمنى مشاركة الفتيات البيض  في لعبة حرم منها ،  ربما شعرت  إحداهن  بأنه  يخفي مآرب أخرى يريد تحقيقها تحت ستار البراءة ، ابتعد الشاعر عن حلقة الفتيات ، فعالج خيبته بغناء "جيت العب وي البيض ما لاعبني"  واحسرتاه ، الصدود الأنثوي اطاح  بأمنية صغيرة تبددت كغيرها من  الأماني الكبيرة .      باستثناء القبعة ، لا حديث عواد ناصر ولا غربته الطويلة  متنقلا من بلد الى اخر حتى استقراره في لندن  قطعت أواصر علاقته بحياة قديمة ، تركها قسراً نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي ،   تاركا الوطن  تحت رحمة أوضاع سياسية مضطربة ،  ذاكرة الشاعر أرخت  التراجيديا العراقية  بقائمة طويلة  تضم أسماء أصدقائه ومعارفه ، من  أدباء وفنانين وصحفيين ، كانوا ضحايا حماقات مرحلة تجاوزت أشجان الراحل داخل حسن .الفتى الجنوبي غادر العراق بشعر أسود طويل  وبنطلون شارلستون بعرض ثلاثين سنتمترا ، في مخيلته اكثر من مشروع قصيدة ، مع أسئلة  تبحث عن  أسباب وصول البلاد الى مرحلة "الانحطاط الوطني" . ظلت الاسئلة جزءا من الأسرار الشخصية ، تراكم عليها الغبار تنتظر لحظة  الانعتاق  لتطلق صرخة مصحوبة بسؤال بحجم الكارثة : من كان المغفل ؟  أصحاب السلطة ام من حالفهم ، شارك في تشويه صورة ارتسمت في أحلام  جيل كامل صدّق أكذوبة تحقيق مستقبل يبعث في نفوسهم الاطمئنان .
في بغداد لم يسأل الشاعر عن مستقبل العملية السياسية،  وامكانية تعزيز النظام الديمقراطي  وموعد القضاء على تنظيم داعش بمساعدة قوات التحالف الدولي ،  فهو على اطلاع كامل بكل التفاصيل ، لا يحتاج الى خدمات شخص يخبره ، بأن الصيادين القطريين ما زالوا مختطفين ، وعزة الدوري حي يرزق ، والعشائر المتنازعة في البصرة استخدمت الأسلحة الثقيلة ، كل الصفحات السود مغلقة لدى عواد ناصر . يوم الجمعة الماضي حمل كل أحلامه متوجهاً الى ساحة التحرير في الباب الشرقي فحقق أمنية التظاهر في وطنه للمرة الاولى في حياته ، كأنه حصل بعد سنوات طوال على حق اللعب مع الفتيات البيض ،  لكن بعد فوات الأوان ،  مع أصوات المحتجين استعاد حيوية الفتى الجنوبي ، ردد هتافات تندد بالمغفلين .
 للمتظاهرين رفع الشاعرعواد ناصر قبعته. 

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram