في معرض تعليقه على سؤال طرحه أحد أصدقائه بأن سنوات اقامته الطويلة في العاصمة البريطانية لندن لم تضف شيئا على شكله، وبدا كأنه جاء قبل ساعات من مدينة العمارة حاملا غبارها ، قال الشاعر عواد ناصر : "مازلت أشعر أنني ابن مدن الجنوب ، في بغداد سكنت في أكواخ الشاكرية ، ثم انتقلنا الى مدينة الثورة ، لم أنفصل عن البيئة الريفية ، في مكان اقامتي الحالي ، ما زلت اسمع نشيج داخل حسن حين يؤدي الطور الشطراوي ، آهات نسيم عودة تنقلني إلى أعماق الهور، تأخذني المشاحيف إلى أماكن قصية تتخطى الأماني ، الشاعر في شبابه كان يتمنى مشاركة الفتيات البيض في لعبة حرم منها ، ربما شعرت إحداهن بأنه يخفي مآرب أخرى يريد تحقيقها تحت ستار البراءة ، ابتعد الشاعر عن حلقة الفتيات ، فعالج خيبته بغناء "جيت العب وي البيض ما لاعبني" واحسرتاه ، الصدود الأنثوي اطاح بأمنية صغيرة تبددت كغيرها من الأماني الكبيرة . باستثناء القبعة ، لا حديث عواد ناصر ولا غربته الطويلة متنقلا من بلد الى اخر حتى استقراره في لندن قطعت أواصر علاقته بحياة قديمة ، تركها قسراً نهاية عقد السبعينات من القرن الماضي ، تاركا الوطن تحت رحمة أوضاع سياسية مضطربة ، ذاكرة الشاعر أرخت التراجيديا العراقية بقائمة طويلة تضم أسماء أصدقائه ومعارفه ، من أدباء وفنانين وصحفيين ، كانوا ضحايا حماقات مرحلة تجاوزت أشجان الراحل داخل حسن .الفتى الجنوبي غادر العراق بشعر أسود طويل وبنطلون شارلستون بعرض ثلاثين سنتمترا ، في مخيلته اكثر من مشروع قصيدة ، مع أسئلة تبحث عن أسباب وصول البلاد الى مرحلة "الانحطاط الوطني" . ظلت الاسئلة جزءا من الأسرار الشخصية ، تراكم عليها الغبار تنتظر لحظة الانعتاق لتطلق صرخة مصحوبة بسؤال بحجم الكارثة : من كان المغفل ؟ أصحاب السلطة ام من حالفهم ، شارك في تشويه صورة ارتسمت في أحلام جيل كامل صدّق أكذوبة تحقيق مستقبل يبعث في نفوسهم الاطمئنان .
في بغداد لم يسأل الشاعر عن مستقبل العملية السياسية، وامكانية تعزيز النظام الديمقراطي وموعد القضاء على تنظيم داعش بمساعدة قوات التحالف الدولي ، فهو على اطلاع كامل بكل التفاصيل ، لا يحتاج الى خدمات شخص يخبره ، بأن الصيادين القطريين ما زالوا مختطفين ، وعزة الدوري حي يرزق ، والعشائر المتنازعة في البصرة استخدمت الأسلحة الثقيلة ، كل الصفحات السود مغلقة لدى عواد ناصر . يوم الجمعة الماضي حمل كل أحلامه متوجهاً الى ساحة التحرير في الباب الشرقي فحقق أمنية التظاهر في وطنه للمرة الاولى في حياته ، كأنه حصل بعد سنوات طوال على حق اللعب مع الفتيات البيض ، لكن بعد فوات الأوان ، مع أصوات المحتجين استعاد حيوية الفتى الجنوبي ، ردد هتافات تندد بالمغفلين .
للمتظاهرين رفع الشاعرعواد ناصر قبعته.
قبعة عواد ناصر
[post-views]
نشر في: 18 يناير, 2016: 09:01 م