من التجارب الفنية القليلة والمتميزة التي جمعت ومنذ البدء بين التجريد والمعاصرة ، تعد اعمال الفنانة التشكيلية العراقية ( نضال الآغا ) والتي ولدت عام 1948 في بغداد ونالت درجة الماجستير من جامعة هارتفورد بالولايات المتحدة الأميركية عام
من التجارب الفنية القليلة والمتميزة التي جمعت ومنذ البدء بين التجريد والمعاصرة ، تعد اعمال الفنانة التشكيلية العراقية ( نضال الآغا ) والتي ولدت عام 1948 في بغداد ونالت درجة الماجستير من جامعة هارتفورد بالولايات المتحدة الأميركية عام 1983 ، بعد ان حصلت على شهادة البكالوريوس في الرسم من جامعة بغداد أكاديمية الفنون الجميلة 1972 وشهادة اختصاص في رسم وتصميم كتب الاطفال من جامعات برلين وصوفيا.فمذ بدأت مشاركتها الاولى في اغلب المعارض التشكيلية منتصف السبعينات من القرن الماضي في داخل العراق وخارجه وهي ماضية في تجاربها لارتياد آفاق المغامرة وطرح رؤية فنية تستبطن الذات وتقيم حوارا بين الاشياء في محاولة للاجابة عن اسئلة تؤرقها . انها تستعد الآن لإقامة معرضها التشكيلي الشخصي السابع في احدى قاعات العرض ببغداد وهو امتداد لاشتغالاتها في معارض سابقة بطريقة الكولاج والتي تمتلك حرارة عاطفية وحسية كبيرة . يتجلى ذلك في تحويل الأشياء العادية إلى أشياء مهمة لها بريقها الخاص ، فهي تؤطر مشروعها بنسق جمالي يوفق بين الصياغة العقلانية والخيال التلقائي مستفيده من اطلاعها على التجارب التشكيلية العالمية ومن عملها في مجال الطباعة وعالم رسوم الاطفال الذي يمتاز بالعفوية.
ان اسلوب الفنانة من خلال فن الكولاج وادماج القصاصات اللونية وفق بناء بصري تتحد فيه الصيغ التصويرية ، يؤسس لتجربة تعتمد على ماورائية الذاكرة في شحذ الاثارة الاستذكارية وبحس تعبيري يحفزها للتواصل التفاعلي .فلوحاتها تحاول ان تجسد الاشياء دون حاجة لتحديد للزمان او المكان لأنها وباختصار تريد البحث عما يربط الانسان ومعاناته في ماضيه وحاضره ومستقبله ، لذا نرى اغلب اعمالها الفنية تبحث في اعادة صياغة الواقع الذي يتصارع فيه الانسان مع واقعة المادي عبر تكسير هرمية الزمن بالاسترجاع، . يتجلى ذلك في سياحاتها التوليفية فتعمد للاهتمام بالجانب السيميائي الاشاري بالمعنى الحسي للتعبير اذ تزج بما تلتقطه في وجه اللوحة وباصرار عاطفي ورمزي وكأنها تجاهد في التقاط الحلم من داخلها خوف ان يتسرب من بين اصابعها ، لذا نراها تمزج الواقع بالماورائية القصدية بتجريد عالي التكنيك فهي تدرك عن وعي انها تبحث عن لحظة ما في الافق المرئي. يقول الشاعرأدونيس أن " في الوجود جانبا باطنيا ، لا مرئيا ، مجهولا ، وان معرفته لا تتم بالطرق المنطقية ، العقلانية ". ولأن الخيال لدى الفنانة ليس وظيفة حيادية بل هو ذو بعد تفاعلي انساني نرى إن العالم الذي ترسمه ماهو الا عالم موارب ، ورغم انه عالم مفترض وسحري إلا أن عناصره لا تبتعد عن الواقع بل تغوص بتجريده كي تصطاد ما ترغب من معان لرموزها . نلاحظ ذلك الغوص في المجهول وتعدد الاحتمالات التي يخدمها اللون جيداً، حيث يغلب القاتم الطاغي المخترق ببهجة الضوء الموزع في عدة أماكن أو المركز في نقطة واحدة فتبرز اشكالا هندسية ، فالدائرة بألوانها المتعددة والمربعات والمثلثات المتتالية تشكل رموزا تعبيرية تبتعد عن المحلية الى عالم اوسع على خلفية استيعابية ذات لون محايد اقرب ماتكون الى عرض سماوي مفتوح يحتضنها في محاولة للتعبير عن اللامحدود فاغلب اعمال الفنانة (نضال الآغا) تأخذ شكلا طولي التكوين وكأنها تنطلق برموزها نحو السماء الواسعة نحو الخلاص .
انها تحاول ان تلملم بقايا مخزون الذاكرة الذاتي لإبداع الوجه الآخرللصورة الغائبه عن الواقع ، فتلك الثيم تستنطق اللون والشكل والمضمون كي تبني عالمها المتميز بتجريديته، المبتعد بفلسفته الجمالية والبصرية عن القوالب التقليدية ، وبنسق موسيقي عفوي لكنه احتجاجي واضح المقاصد. ان اعمالها تتسم دوما بالصلابة التكوينية والطراوة اللونية والاضاءة الصحيحة في ذات الوقت لكنها لاتخلو من حزن كامن.
ان اعمالها تحتاج الى تذوق عقلي مثلما تحتاج الى تذوق وجداني لفهم عوالمها . فليس سهلا ان يتحول اللامرئي والمهمل الى معنى احتجاجي وجمالي يثير التساؤلات . فالفن هو التجلي لفكرة ما وادراكها تصوريا يبعدها عن ماديتها ،وهو لا يعكس المطلق الا انعكاساً حدسياً مبهماً الى حد ما .