في مقالي السابق ، قلت بأن هناك مسؤولاً حكومياً قال أن على الحكومة مصارحة الشعب العراقي بما ينتظره من أزمة مالية مهما كانت قاسية، مشيرا الى ان هناك اياما صعبة بانتظارهم . فتصدى لي احد القراء رافضا الفكرة ومتسائلا عن وجود مثل هكذا تصريح..شعرت وقتها بأن هناك حتى الآن من يغفر للحكومة خطاياها ويبرر لها اخطاءها وقد يعيد انتخابها في المرة المقبلة ..وقبل يومين ، ظهر وزير المالية مجددا على شاشات التلفاز ليصارح الشعب العراقي بما ينتظره في العام الحالي من صعوبات وكيف سيواجه ازمة مالية صعبة ستنعكس على حياته المعيشية بسبب انخفاض اسعار النفط وعجز الميزانية المالية عن مواجهة الأزمة طارحا بعض الاقتراحات لمواجهتها كبيع سندات للمواطنين والموظفين لدعم ميزانية الدولة ..
بعد سقوط النظام ، ومع تعاقب الحكومات على هذا البلد الغني بموارده ، توقعنا ان تمسك بعض الأيدي المخلصة بتلابيب الاقتصاد الوطني ليذوق العراقي ثمرة موارده وينعم بخيرات بلده وينسى ايام الحصارالاقتصادي وشد الأحزمة ،لكن قطاعات الانتاج العراقي بدات تحتضر ابتداءً بالصناعة والزراعة ومن ثم القطاع النفطي الذي شكل طويلا الامل الوحيد لبلد يعتبر من اهم الدول المصدرة للنفط ...ربما كان السبب سوء التخطيط او غياب حكومات التكنوقراط وحلول حكومات المحاصصة الطائفية بديلا عنها . وقد يكون السبب الحقيقي الذي بانت بوادره مؤخرا بشكل سافر هو تفضيل المصلحة الشخصية على المصلحة العامة واستشراء الفساد الحكومي والسرقات العلنية لموارد واموال البلد ..وهذا يعني باختصار غياب الايدي المخلصة التي انتظرها العراقيون طويلا ومعها الضمير الحي الساعي الى حماية المنتوج العراقي ودعمه وبالتالي دعم الاقتصاد الوطني وادامة ازدهاره لمواجهة الازمات وتخطيها بدلا من مطالبة المواطنين المقهورين والمحرومين دائما وابدا بشد الأحزمة من جديد...قبل ايام ، تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صور مصنع حكومي عراقي لقنابر الهاون والذخائر ترفض وزارة الدفاع الشراء منه ودعمه ، فيما توقع عقود استيراد مع شركات اجنبية يصادق عليها القائد العام للقوات المسلحة الذي لايكف الحديث عن تشجيع الصناعة الوطنية ، بينما يحتوي هذا المصنع على مكائن حديثة تم ايقاف معظمها عن العمل لعدم توفر منفذ لشراء منتوج المعمل بينما يفوز الفاسدون في وزارة الدفاع بعمولات كبيرة من خلال ابرام صفقات مشبوهة..من جهة اخرى ، رفضت وزارة الصحة شراء الادوية من معمل سامراء المعروف بجودة انتاجه الا بمايعادل (0,5) من احتياجاتها بينما تستورد الباقي من الخارج من مناشئ رديئة ومغشوشة احيانا ووفق صفقات فساد بملايين الدولارات بعد الغاء وزيرة الصحة تراخيص الادوية التي تنتجها سامراء منذ ربع قرن للالتفاف على قرار البرلمان بمنع استيراد ماله بديل عراقي ، وهكذا سقط المصنع صريعا واغلقت ابواب الرزق امام العاملين فيه في الوقت الذي تعلن فيه وزيرة الصحة عن بيع المصنع الى مستثمر اردني !!!لو سألت أي خبير اقتصادي سيقول لك ان الحل يكمن في تشجيع الصناعة الوطنية فهي السبيل الى الاصلاح الاقتصادي ، ولو سألت أي مسؤول حكومي عن كيفية حل الأزمة سيشير الى ضرورة تشجيع الصناعة الوطنية ...لكن الواقع يقول صريحا بأن هناك من وقف خلف تدمير الصناعة الوطنية وطرح معاملها في مزاد علني ينتفع منه المستثمرون الخارجيون والمستفيدون منهم في الداخل ...فهل تجيب هذه الحقائق على تساؤلات المواطنين حول ماينتظرنا في العام الحالي وربما الاعوام المقبلة ..ينتظرنا شد دائم للأحزمة وتضحيات أبدية مع تواصل ازدهار الفساد والفائدة الشخصية لمغيَّبي الضمائر ....
شدوا الأحزمة!
[post-views]
نشر في: 22 يناير, 2016: 09:01 م
جميع التعليقات 1
علي العلي
احسنت ...وكنت حقا موضوعية في هذا المقال الرائع ...وكنت اتمنى ان تضعي النقاط على بقية الحروف لكي تنطق الحقيقة كاملة ...تحياتي ايتها الهلالية الجميلة ....