اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > معلمي فائق بطي

معلمي فائق بطي

نشر في: 25 يناير, 2016: 09:01 م

ما كان فائق بطي صحفياً عادياً ... كان صحفياً من طراز خاص، ومن معلمي المهنة المحترفين الذين يستفزّهم أدنى خطأ لغوي أو تحريري يرتكبه صحفي مستجد، لكنهم مع ذلك ينكبّون على تعليمه الصحّ بحنو أبوي وطول أناة.
يوم قابلته  وتعرفت عليه وجهاً لوجه لأول مرة في أحد أيام العام 1969، كان هو من الكواكب االساطعة في سماء الصحافة العراقية، أما أنا فكنتُ لم أزل طالباً في قسم الصحافة بكلية آداب جامعة بغداد. كتب هو مقالاً ينتقد فيه الطريقة التي يجري بها تدريس الصحافة في القسم الذي لم تكن دورته الأولى قد تخرجت بعد ، فتجرأتُ لأكتب مقالاً غاضباً رداً على مقاله،  فكان أن نشره من دون إبطاء ولا تعديل. بعدما تخرجتُ وبدأتُ عملي في بلاط صاحبة الجلالة أدركتُ أنه كان على حق في ما كتب وأنني كنتُ في الواقع متعجلاً في ما كتبتُ، متأثراً بتصور أن الوسط الصحفي التقليدي الذي ينتمي اليه فائق بطي غير راغب بتخرج منافسين من الصحفيين الجامعيين (لم أكن يومها أعرف أن فائق بطي هو نفسه صحفي جامعي متخرج من الجامعة الاميركية في القاهرة).
بعد بضع سنوات (1973) جمعتني "طريق الشعب" بفائق بطي الذي كان واحداً من ثلاثة هم أكثر من عملتُ معهم وتعلمتُ على أيديهم في السنوات اللاحقة (الإثنان الآخران  هما شمران الياسري – أبو كاطع ويوسف الصائغ). كان فائق مثل زميليه معلماً كبيراً، بقيتُ بعد ذلك أتعلم منه كلما جمعني به عمل مشترك في المنفى لثلاثة عقود ممتدة ثم على مدى السنوات الأخيرة هنا في بغداد، وهنا في "المدى" بالذات. حتى في لقاءات الأنس كان فائق بطي معلماً بملاحظاته وانتقاداته الرصينة التي كان يتمسك بانتقاء كلماتها الأنيقة، بشياكة هندامه وبأناقة روحه الجميلة، ويحرص على إلقائها مرفوقة بدعاباته المحببة، وبمنتهى التواضع على الدوام وفي كل الأحوال.
لأننا في زمن أغبر يموت المعلم فائق بطي، وقد تجاوز الثمانين من العمر، بعيداً عن مدينته، بغداد، من دون أن يحظى عن مسيرته الصحفية الحافلة ومنجزه على صعيد كتابة تاريخ الصحافة العراقية، بأي تكريم من الدولة، وهو الذي كان سيُمنح جوائز الدولة التقديرية في أي بلد آخر.
ومن مفارقات زمننا الأغبر الحالي أيضاً، أن فائق بطي الذي تولّى، في فترة من حياته، رئاسة تحرير واحدة من أهم الصحف في تاريخ البلاد، هي صحيفة "البلاد" التي ارتبط تاريخها باسم والده الصحفي المرموق روفائيل بطي، وأن فائق بطي الذي كان، إلى ذلك، أحد مؤسسي نقابة الصحفيين العراقيين (1959)، إلى جانب محمد مهدي الجواهري ويوسف إسماعيل البستاني وعبد الله عباس وعبد المجيد الونداوي وحمزة عبد الله وصالح الحيدري وحميد رشيـــــد وسواهم، مات غير معترف به من نقابته بعدما تولّاها بعض (الدمبكجية) وسواهم، مع سبق الإصرار والترصّد من أحزاب الورع المزيف والتقوى المغشوشة، أحزاب الإسلام السياسي !
عندي، لن يموت فائق بطي لأنه أحد معلميّ في المهنة وفي الحياة.
شكراً فائق بطي، لأنك كنتَ لي معلماً... جائزتك التقديرية مني ومن كل تلامذتك وزملائك ورفاقك، حبّ كبير  .. متواصل.    

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. هادي رجب الحافظ

    المجد والخلودللشهداءوالجنود المجهولين ، شهداء الكلمة والمعرفة الذين أسهموا لبنوا العراق في الكلمة الحرة والشريفة ، كانوا ولازالوالهم تلاميذ نجباء يذكرونهم بالخير ، ويذكرون الحكام وطبالة الصحافة الصفراء، أن العراق وشعبه لن ينسى أحراره من الكتاب وكل من خط

يحدث الآن

دي خيا يثير الغموض حول مستقبله

محكمة مصرية تلزم تامر حسني بغرامة مالية بتهمة "سرقة أغنية"

والدة مبابي تتوعد بمقاضاة باريس سان جيرمان

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

 علي حسين في ملحمته الإلياذة يروي لنا الشاعر الاغريقي هوميروس كيف أن أسوار مدينة طروادة كانت عصيّة على الجيوش الغازية . فما كان من هؤلاء إلا أن لجأوا إلى الحيلة فقرروا أن يبنوا...
علي حسين

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

 لطفية الدليمي غريبٌ هذا الهجومُ الذي يطالُ الراحل (علي الوردي) بعد قرابة الثلاثة عقود على رحيله.يبدو أنّ بعضنا لا يريد للراحلين أن ينعموا بهدوء الرقود الابدي بعد أن عكّر حياتهم وجعلها جحيماً وهُمْ...
لطفية الدليمي

قناطر: من وصايا أبي المحن البصري

طالب عبد العزيز هذا ما كتبه ابو المحن المحسود البصريّ لاِبنهِ ذي الهمّة، الذي واصل الليل بالنهار، متصفحاً خرائط المدن والاسفار، عاقداً وشيعة الامل بالانتظار، شاخصاً بعينه الكليلة النظيفة، متطلعاً الى من يأخذ بيده...
طالب عبد العزيز

ريادة الأعمال.. نحو حاضنة شفافة

ثامر الهيمص مخرجات الشفافية, تمتاز عن غيرها, بأن ردود الفعل تأتي انية في النظر او العمل, مما يجعلها تمضي بوضوحها مستفيدة من هنات وليس عثرات تراكمت اسبابها مسبقا في عالم الا شفافية, اللهم الا...
ثامر الهيمص
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram