اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > استولت عليها الدوائر والمجالس البلدية ! ..المكتبات العامة تحتضر .. من ينقذها؟

استولت عليها الدوائر والمجالس البلدية ! ..المكتبات العامة تحتضر .. من ينقذها؟

نشر في: 26 يناير, 2016: 09:01 م

لم تكن مفاجأة ان يستوقفني احد موظفي العقود في مجلس محافظة بغداد ليقول بألم وحسرة ووجع انه سمعني اتحدث مع موظف الاستعلامات عن لجنة الثقافة في المجلس لمعرفة دورها في تطوير ودعم المكتبات العامة، في حين ان بحدود ثلاثة الاف "موظف عقد" في المحافظة والمجلس

لم تكن مفاجأة ان يستوقفني احد موظفي العقود في مجلس محافظة بغداد ليقول بألم وحسرة ووجع انه سمعني اتحدث مع موظف الاستعلامات عن لجنة الثقافة في المجلس لمعرفة دورها في تطوير ودعم المكتبات العامة، في حين ان بحدود ثلاثة الاف "موظف عقد" في المحافظة والمجلس مهددون بلقمة عيشهم وتسريحهم من العمل .. وقال "يحفظك الله استاذ  نحن مهددون بالبطالة فليس الان وقت مكتبات رجاءً!!"  ما كان لي ان اتشاطر مع هذا الموظف لأحدثه عما يمكن ان تحدثه المكتبات العامة وغيرها من وعي شعبي ورأي عام فاعل يمنع الفساد الذي هو سبب جميع معاناتنا ومنها ما نمر به من ازمة مالية فاكتفيت بالاعتذار ووعد بتناول موضوعهم. غير ان صرخة موظف العقد اثارت في داخلي تساؤلا ملحا ما زال محل نقاشات مفكرين ومتخصصين عن جدوى الثقافة مع الفقر والعوز والحرمان واولويتها في الحياة. المهم انني لم اجد احدا من اعضاء لجنة الثقافة في مجلس المحافظة فابوابهم مغلقة لذا توجهت الى اعلام المحافظة ومنه الى القسم الثقافي فيها المعني بالمكتبات العامة.

87 مكتبة
قد يكون من المناسب الاشارة الى ان  مكتبة  دار الحكمة تعد من ابرز المكتبات العامة  في بغداد والتي انشئت في عصر الخلافة العباسية. وفي تاريخ العراق الحديث وتحديداً في عام 1919 تم تشكيل لجنة لجمع التبرعات لإقامة مكتبة دار السلام التي اكتمل تاسيسها عام 1920 واشرف عليها الاب انستاس الكرملي . وفي 1944 توسعت لتبلغ اربع مكتبات منها مكتبة الكاظمية. وفي الستينات بلغ العدد 26 مكتبة لتتوسع لتبلغ 87 في السبعينات في العراق مع صدرور قانون للمكتبات العامة. هذه المكتبات كانت بما تحتويه من مؤلفات رافداً مهماً لطالب العلم والباحث عن المعرفة ولم تخل يوماً من زوار خاصة في المناطق الشعبية.

حوسمة المكتبات
نسوق هذه المقدمة لكي نتوقف عند ما تعرضت له هذه المؤسسات المهمة من اهمال وتجاوز بعد 2003 برغم ما كان يفترض ان تشهده من تطور يواكب ما يحصل في العالم، حيث ان بعض المكتبات تعرضت للحوسمة وشغلتها عوائل ، كمكتبة "العباس بن الأحنف" واخرى  تم استغلال جزء غير قليل من ابنيتها وقاعاتها كمقر لقائممقامية الكاظمية  في المكتبة او مقر ناحية الكرادة  او مقر ناحية لمدينة الصدر او كمجلس بلدي في مكتبة ابن الجوزي في العطيفية . كما ان "مكتبة دار السلام العامة" في الطوبجي مهددة بالاغلاق لأن بنايتها مؤجرة منذ ثلاثين عاما ولم يفكر لا النظام السابق ولا الحالي بشرائها ، وغير ذلك من المشكلات. فما هو حال مكتباتنا العامة حالياً؟ وهل هي ترفد القراء بالكتب الحديثة والانترنيت ؟، وكيف يمكن تطويرها لتشجيع المواطن ،خاصة الشباب، لمواظبة زيارتها؟.

تشجيع الطلاب على زيارة المكتبات
هذه الاسئلة كانت محور لقائنا مع الست معاونة مدير الشؤون الثقافية ضحى ناجي التي ذكرت لـ(المدى) ان الظروف التي مر بها العراق بعد 2003 لابد ان تنعكس على وضعية المكتبات العامة وفي عزوف الناس عن زيارتها ، خاصة الظروف الامنية الصعبة. موضحة: مع ذلك فقد عملنا وبدعم المحافظة على ديمومة المكتبات ولدينا الان بحدود عشرين مكتبة فعالة تعمل وفيها زوار.
 اضافت ناجي: ان عدد الزوار يختلف من منطقة الى اخرى ، لكن الملاحظ ان نسبة الحضورفي المكتبات العامة لمناطق الحرية والشعلة والكرادة اكثر من غيرها. مضيفة: وجهنا كتبا رسمية الى وزارة التربية للتعاون من اجل تشجيع الطلاب على زيارة المكتبات والاستفادة من موجوداتها اضافة الى تجديد الكتب القديمة والتراثية وادامتها للحفاظ عليها من التلف..

مركز ثقافي بلا أثاث
في مجمع المأمون الثقافي الذي تبلغ مساحته اربعة دوانم ونصف ، والذي كان اصلاً مكتبة التقينا مديرة القسم الثقافي في المحافظة سهيلة غافل لتحدثنا عن هذا المجمع وواجباته حيث بينت لـ(المدى): ابتداء لابد من الاشارة الى معارض الكتب السنوية التي نقيمها في عدد من المكتبات لتشجيع الطلاب وبقية المواطنين على زيارة مكتباتنا، مبينة: ان هنالك اسبوعا خاصا بالمكتبات. واوضحت غافل:  تم تطوير مكتبة المأمون العامة لتكون مركزاً ثقافياً حين افتتحت قبل اشهر. مستدركة:  لكنه يفتقر حالياً الى التأثيث بسبب الأزمة المالية التي يمر بها العراق بشكل عام . لذا فإن منشآت المركز لم تستخدم لحد الان مثل سينما الاطفال واخرى للكبار وقاعات واسعة وكبيرة تصلح لعقد المؤتمرات ومعارض كتب وندوات ثقافية ومحاضرات وكافتيريا..
 واشارت مديرة القسم الثقافي في مجمع المامون الى ان المخطط لهذا المجمع عند تطويره ان يكون نافذة ثقافية من خلال ما يحتويه من منشآت تصلح لمختلف الفعاليات التقافية والسياسية. مضيفة: ويمكن ان يخدم سكان المنطقة والمناطق المجاورة. مستدركة: لكن توفير مستلزمات تهيئته تحتاج الى مبالغ ولدينا مقترحات لعرضها على محافظ بغداد الذي يحرص هو الاخر على ديمومة عمل المكتبات ..

المكتبة الإلكترونية وضعف الإقبال
أ.د حسن الخزرجي من جامعة بغداد كان له رأيه حول الامر اذ ذكر لـ(المدى): عانت المكتبات العامة من نقص شديد في الكتب ومن التآكل الذاتي منذ الحصار الظالم. منوها: وصار الباحثون من اساتذة وطلبة يعانون صعوبات جمة في الحصول على المصادر خاصة العلمية منها ومن الكتب الحديثة.واضاف الخزرجي: بعد عام 2003 تعرض العديد من المكتبات الى التخريب وصل حد الحرائق ما سبب فقدان كتب ثمينة ومهمة ما افقد هذه المكتبات اهميتها اضافة الى قلة وربما عدم رفدها بالمؤلفات الحديثة بما فيها العراقية لقلة التأليف والطبع.
 مستطردا: ومن ناحية اخرى تعاني مكتباتنا العامة من قلة الملاك المتخصص منذ الحرب مع ايران الى يومنا هذا وهو ما يؤثر سلبا على المكتبات الاكاديمية.وبشأن الكتاب الالكتروني ومدى تاثيره على الكتاب الورقي والمنافسة التي يتحدث عنها بعض المختصون قال أ. د حسن الخزرجي: على صعيد المكتبات الالكترونية هناك ضعف حاد وفشل ذريع في قيام الجامعات بالتعويض عن نقص المصادر بواسطة المكتبات الالكترونية. مشيرا  بشكل خاص الى مكتبة جامعة بغداد وبصراحة فإن حجم المبالغ المخصصة للمكتبات العامة لايتناسب وحجم الحاجة اليها.

القراءة والمولد الكهربائي
اما الباحث والاعلامي الدكتور رشاد الابراهيمي فاوضح لـ(المدى) ان من ابرز الملاحظات عن إحجام المطالعين ورواد المكتبات العامة يعود الى  قلة الاهتمام الحكومي بهذه المكتبات. مضيفا: وعدم وجود ملاك متخصص يهتم باساليب العمل فيها ويعزز ثقة الزائر بها ونقص ما متوفر فيها من مطبوعات حديثة بعد 2003.
واسترسل الابراهيمي: لقد اهتمت المحافظة منذ سنوات قليلة بهذه المكتبات في ومحاولة ديموتها وتطويرها وتاسيس مكتبات حديثة مثل مكتبة الحرية  التي تسنت لي زيارتها لأجد عددا غير قليل من روادها خاصة مع تشغيل المولد عند انقطاع التيار الكهربائي الذي لايحفز المواطن على مواظبة الحضور. مشددا: اظن ان هذه المكتبات تعاني من نقص الوقود المخصص لتشغيل المولدات بسبب ضغط النفقات ..

المسلسلات وعزوف الطالبات
وعن دور المدارس في تشجيع طلبتها على زيارة المكتبات العامة حدثتنا  الناشطة المدنية والمدرّسة رحاب حامد السهيل حيث بينت لـ(المدى): بصراحة ان ادارات المدارس وحتى اعضاء الهيئات التدريسية يتهيبون من اصطحاب الطلاب والتلاميذ الى المكتبات العامة خوفاً من مسؤولية ما قد يحدث. مشيرة الى الاوضاع الأمنية ، رغم تحسنها النسبي لكنها لا تشجع على المجازفة بهكذا خطوة مهمة.
واستطردت حامد: مع ذلك يمكن لنا ان نساهم في توعية الطالب بأهمية زيارة المكتبات العامة كحد ادنى. مستدركة: لكن حتى هذا بصراحة مفقود ومرتبط بمدى اهتمام المعلم او المدرس بالمطالعة وهو نادر ايضاً . اغلبنا يكتفي باداء واجبه الوظيفي من دون مبادرة كما كان المعلم في السابق. مشددة: انه كان نموذجاً يقتدى به.
 كما اشارت المدرسة الى ان هناك اسبابا اخرى كثيرة تقف خلف عزوف الطلاب عن ارتياد المكتبات العامة منها وسائل اللهو الكثيرة والانصراف اليها مثل المسلسلات خاصة للطالبات ووجود وسائل التواصل الاجتماعي. مضيفة: ان الانترنيت سهّل الحصول على المعلومة لكنه لا يغني عن المطالعة.

المكتبة المدرسية
عن المكتبة المدرسية ودورها في بناء جيل واعٍ ، قال المعلم المتقاعد خالد حسين لـ(المدى): المكتبات المدرسية توجه تلاميذنا وطلابنا في مراحلهم الدراسية المختلفة بدءاً من الابتدائية وحتى الدراسة الجامعية. مبيناً: انها تصقل مواهبهم وتنمي قدراتهم مع زيادة حبهم للقراءة والتعلم.
واضاف حسين: كذلك تزود التلاميذ بالمادة الثقافية المطلوبة لإعداد أجيال مطلعة ومتنورة ومتسلحة بكافة فنون المعرفة. موضحاً: تقع مسؤولية تنمية الموارد البشرية على عاتق وزارة التربية بالدرجة الاولى لأن إعداد هذه الأجيال غاية يجب التوجه اليها وإعداد دراسات وبحوث مكثفة وباستمرار. منوهاً: ان هؤلاء التلاميذ هم جيل المستقبل الذي يصنع الحياة ويعمل على تقدم وازدهار المجمتع.
أما المعلمة سهى نوري فقد تأسفت لغياب المكتبة المدرسية في المدارس في الوقت الحاضر عازية السبب الى بعض الاشكالات في العملية التربوية مع إهمال هذا الجانب من قبل الجهات المعنية في المدارس.
وبينت نوري: في بعض الأحيان يقوم المعلم بمجهود فردي من خلال شرح أهمية القراءة والكتابة في تطور الطالب وفتح مجالات رحبة أمامه. مستدركة: إلا أن البعض من الطلاب للأسف يهزأون بذلك ويستبدلون القراءة بمتابعة كرة القدم او مواقع التواصل الاجتماعي التي ترافق العديد منهم الى داخل الصف والمدرسة من خلال الهواتف الذكية التي يملكها البعض منهم.

مصادر الدراسات العليا
عند بوابة جامعة بغداد توقفنا مع مجموعة من طلبة كلية العلوم السياسية يبلغ عددهم بحدود الخمسة وعشرين طالباً اكدوا جميعهم انهم لم يزوروا اية مكتبة عامة منذ سنوات طويلة وانهم يرتادون مكتبة الجامعة وقت الامتحانات فقط .. البعض قال بصراحة انه غير مهتم بالمطالعة الخارجية فمتطلبات ومشاكل الحياة كثيرة واخرون قالوا : لسنا على استعداد لزيارة مكتبات مسيجة بكتل كونكريتية ولاتتوفر فيها مصادر حديثة وو..
المواطن محمد علي ابراهيم يشير الى مشكلة عدم رفد المكتبات بالاصدارات الحديثة خاصة العلمية وقال : زوجتي طالبة ماجستير وبعد ان يئسنا من توفر المصادر في المكتبات بما فيها الجامعية اضطررنا الى شرائها من المكتبات الخاصة وباسعار عالية. معتقدا ان المكتبات العامة اذا بقيت على هذه الشاكلة ربما ستنقرض!.

غرفة الإنعاش
 ربما تكون الصورة التي حدثتنا عنها مديرة القسم الثقافي ومعاونتها ايجابية جداً لكن حقيقة الواقع تقول ان المكتبات العامة برغم الجهود الكبيرة ما زالت تعيش في غرفة الانعاش وهي مهددة بالموت اذا لم تتم معالجة مشكلاتها وايجاد طرق بديلة لتوفير ما يعينها على البقاء ومنها الاستثمار، فالمكتبات الفاعلة تعمل بدوام واحد وبعضها بثلاثة او اربعة موظفين واخرى متجاوزعليها وهي جميعاً تحتاج الى اغنائها بالاصدارات الجديدة من الكتب والدوريات وتجهيزها بمنظومة انترنيت.. لانعتقد ان التحقيق يمكن ان يغطي ما تعانيه المكتبات العامة  او اهميتها لأي مجتمع لكنه قد يكون فرصة للمسؤوليين سواء في مجلس النواب او الحكومة للاهتمام بهذا المرفق المهم .. فالمعرفة  والعلم والمطالعة  ليست ترفاً كما قد يتوهم البعض بل حاجة ماسة للارتقاء بالبلد والمجتمع معاً .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram