حين أردت أن أوصل معنى الحرب مصطلحا وبشاعة الى أستاذي البلغاري ( ساشو ستويانوف ) ، ولشدة مبالغتي، قاطعني ليختصر الطريق علي، بقوله : ( الحرب هي الحرب ) ، لا تحتاج الى تعريف أدق ، وكما انك تعجز عن تفسير الماء بغير (الماء)، سوف لن تجد تفسيرا لـ (الحرب )
حين أردت أن أوصل معنى الحرب مصطلحا وبشاعة الى أستاذي البلغاري ( ساشو ستويانوف ) ، ولشدة مبالغتي، قاطعني ليختصر الطريق علي، بقوله : ( الحرب هي الحرب ) ، لا تحتاج الى تعريف أدق ، وكما انك تعجز عن تفسير الماء بغير (الماء)، سوف لن تجد تفسيرا لـ (الحرب ) غير ( الحرب) . وليس أبلغ من معادلة الحرب التي كتبها ( برتولت بريشت) في مسرحيته ( رجل برجل) ، تلك المعادلة التي تقول أن الفوز في بقاء الرجل الأخير !!! وهي كما حاكاها تماما ( جان بول سارتر ) في مسرحيته ( سجناء التونا ) التي يختصر فكرتها بـالمعادلة التالية ( الخسارة = الربح ) الخسارة تساوي الربح .
أما في مسرحية ( الملك هو الملك ) فلها معنى كبير يقول : ( ان الملوك بلا سحنة ) ولك الحق في تغيير الملوك كيفما شئت طالما أن سحنتهم غير مألوفة لشعوبهم .
أما الكاتب سعدالله ونوس الذي استلهم حكايات نصوصه المسرحية من الواقع العربي ، منطلقا من ماضيه حتى حاضره الأشد قسوة . ومن أجل أن لا يسوقه تأويل الآخرين من غير العرب الى ما لايتفق مع فكره وواقعه ، لجأ الى التراث ، الماضي الأقرب الى حاضره الذي استلهم منه الأفكار فطوعها بما يتفق مع الحاضر ، من عودة البطل الفرد ، من حيث انتهت اسطورة البطولة الفردية عبر ازمانها المختلفة ، بدءا من الإغريق وأبطالهم الآلهة ، وأنصاف الآلهة . حتى القرون الوسطى ومعجزاتهم . وصولا الى الأبطال الشعبيين ، من الفقراء غير الحاكمين . بالانتصار الى المحكومين ، الحالمين بالعيش الرغيد ، بعيدا عن الأضواء ، الراغبين بالتعرف على يوميات حياة الحكام بفضول الاطلاع فقط . فمهنة ( الملك ) هي مهنة التسلط الغالب ، والسلطة ما أن تتلبس صاحبها مثل روح شريرة حتى يضيق عليها جلدها ، فتكبر على المكان وسرعان ماتتورم عنده رغبة الشعور بالطغيان ، والتشبث بالبقاء في الحكم أطول فتره ، والطموح بالوراثة الى من يخلفه من الابناء . ما قاله الكاتب ( ونوس ) في مسرحيته عن التسلط ، وما أفصحت عنه الحوارات المتورمة التالية :
الملك : كثيرا ما اشعر أن هذه البلاد لا تستحقني .
وفي مكان آخر :
الملك : يزداد ضيقي ، كلما فكرت أن هذه البلاد لا تستحقني ، أريد أن ألهو ، أن العب لعبة شرسة .
وسرعان ما يحدد نوع اللعبة في الحوار:
الملك : أريد أن اعابث البلاد والناس .
وهو ما يدفعه للعبة خطيرة ، سرعان ما يندم على حماقة لعبها . حين يقدم عرشه هدية ـ لأغراض التسلية وليوم واحد ـ الى رجل مختل العقل يدعى ( أبو عزة المغفل ) الذي تستهويه اللعبة فلا يتخلى عنها ولا عن دوره في اللعبة فيحار الملك الذي اعتقد انها ستنتهي بانتهاء اليوم الواحد . ولم يخطر بباله من أن ( ابا عزة المغفل ) سيتمسك بها وبصلاحياتها ، التي منحته فرصة الانتقام من خصومه الذين أذلوه وأضاعوا عليه اطماعه في الاستحواذ بالثروة لوحده . اذن فالعرش بمقاييس ( أبي عزة المغفل !!! ) لا يتعدى اكثر من فرصة تحقق له الانتقام والاثراء والأخذ بالثأر من علية القوم والخصوم .
اللعبة إذن أعجبت أبا عزة كثيرا وتمنى أن تستمر فكل أوامره مطاعة ، وكل ما يرغب فيه طوع بنانه دون عذاب . لقد عاش السلطة بكل مقوماتها . حتى السلطة لم تكن غريبة عليه ، لقد عاشها يوم كانت حلما كما تدربت عليها عائلته عندما كانت تنفذ له أوامره نزولا عند رغبته في أن يكون آمرا ناهيا . لقد كان انتقاله من الحلم بالملكية إلى الملكية في اليقظة هينا ، وربما نتيجة تدريبه القاسي على السلطة قبل تسلمه لها جعلت منه ملكا اكثر من الملك سطوة وقسوة . يتوضح ذلك في الحوار التالي :
الشهبندر : أما تلاحظ أن سحنة الملك تغيرت ؟
الإمــــــــــــــام : نعم … لقد اصبح ملكا اكثر .
عندها استطاع أبو عزة أن يقضي على ما كان شائعا في فكرة حوار اسبق من : " إن الملك على مقاس الرجل ، والرجل على مقاس الملك " ، وذلك عندما يتلبس الحاكم أبو عزة فيحكم على زوج زوجته أم عزه – أي هو _ وعلى ابنته التي يحكم عليها بالزواج من الوزير ، أو تكون جارية له حسب رغبته . هذه الأحكام أرسطياً نافذة حتى ولو كانت دون علم أو دراية من أبي عزه . فالأبطال يدخلون مأساتهم دون إرادتهم . إذا جاز ذلك فلقد جار بأحكامه على نفسه وعلى زوجته وعلى ابنته . فأم عزة عندما شكت عنده تجاوزات (الإمام والشهبندر) اللذين كانا سببا في تدهور حالهم . نرى أبا عزة يعطيهما الحق ويعتبرها مذنبة في ادعائها لأنها بشكواها إنما تعتبر العرش باطلا ، والملك باطلا ، وان النظام الذي يسود البلاد والعباد باطل في باطل . لأن الإمام والشهبندر هما الناموس الذي يحكم البلاد والعباد ، فيحكم على زوج المرأة – هو – بالتجريس .
الملك : حكمنا على زوج هذه المرأة بالتجريس ، يدار به في كل أسواق
المدينة من الباب الصغير إلى الساحة المركزية . وقسمنا لهذه جعالة
سنوية مقدارها خمسمئة درهم ، يدفعها الوزير من ماله ومقابل ما
يدفعه تعهد إليه هذه الفتاة وله أن يتزوجها ، أو أن تكون جارية في
قصره .
عـــــــــــزة : (تستند إلى أمها صارخة) مولاي …؟؟
الملك : (يدق الصولجان) انتهت الجلسة...
هيا ايها الوزير...
استلهم ونوس مبنى حكائياً لمسرحيته "الملك هو الملك" من حكاية ( النائم واليقظان ) في الليلة الثالثة والستين بعد المائة من ( ألف ليلة وليلة ) ، وهي إحدى اشهر الحكايات وأكثرها تناولا من قبل الكتاب المسرحين . لقد تناولها مارون النقاش عام 1853 بعنوان (أبو الحسن الخليع والجارية شموس) ، في حين أخذها ونوس عام 1977. مستفيدا من الأصل مضيفا إليه مقترحا عليه بعدا فلسفيا من خلال إثارة السؤال : ماذا لو استمرت اللعبة ولم تنته كما انتهت في أصل الحكاية حيث يعود الرجل إلى بيته وزوجته وابنته بعد انتهاء الليلة المتفق عليها مثلما يعود الرشيد إلى عرشه . إن أبا عزة في لعبة ونوس يظل متشبثا بالسلطة ليهتز عرش الملك . إذن في لعبة ونوس لا فرق بين ملك وملك ، وأبو عزة في العرش هو الرشيد طالما أن الملوك بلا سحنة . وهكذا كانت محصلة الدعابة الملكية التي اختلقها الملك ليتسلى لتنقلب وبالاً عليه . نعم هي وبال حين ينقلب السحر على الساحر ، حين يجهل الحكام نتائج دعاباتهم ولا محدودية سلطاتهم .
لقد قضى ونوس تماما على الوراثة في الملكية. واثبت أن كل شيء ممكن أن يتحقق بالتاج والرداء والصولجان وكرسي العرش . ففي الأنظمة التنكرية لا يحسب حساب الرجال ، إن الذي يحسب حسابه هو التاج والرداء ، ولاشيء غير ذلك .
زاهد : أعطني رداءً وتاجاً … أعطك ملكاً.