TOP

جريدة المدى > عام > السلطان والحاكم.. في المسرح

السلطان والحاكم.. في المسرح

نشر في: 2 فبراير, 2016: 12:01 ص

حين أردت أن أوصل معنى الحرب مصطلحا وبشاعة الى أستاذي البلغاري ( ساشو ستويانوف ) ، ولشدة مبالغتي، قاطعني ليختصر الطريق علي، بقوله : ( الحرب هي الحرب ) ، لا تحتاج الى تعريف أدق ، وكما انك تعجز عن تفسير الماء بغير (الماء)، سوف لن تجد تفسيرا لـ (الحرب )

حين أردت أن أوصل معنى الحرب مصطلحا وبشاعة الى أستاذي البلغاري ( ساشو ستويانوف ) ، ولشدة مبالغتي، قاطعني ليختصر الطريق علي، بقوله : ( الحرب هي الحرب ) ، لا تحتاج الى تعريف أدق ، وكما انك تعجز عن تفسير الماء بغير (الماء)، سوف لن تجد تفسيرا لـ (الحرب ) غير ( الحرب) . وليس أبلغ من معادلة الحرب التي كتبها ( برتولت بريشت) في مسرحيته ( رجل برجل) ، تلك المعادلة التي تقول أن الفوز في بقاء الرجل الأخير !!! وهي كما حاكاها تماما ( جان بول سارتر ) في مسرحيته ( سجناء التونا ) التي يختصر فكرتها بـالمعادلة التالية ( الخسارة = الربح ) الخسارة تساوي الربح .

أما في مسرحية ( الملك هو الملك ) فلها معنى كبير يقول : ( ان الملوك بلا سحنة ) ولك الحق في تغيير الملوك كيفما شئت طالما أن سحنتهم غير مألوفة لشعوبهم .
أما الكاتب سعدالله ونوس الذي استلهم حكايات نصوصه المسرحية من الواقع العربي ، منطلقا من ماضيه حتى حاضره الأشد قسوة . ومن أجل أن لا يسوقه تأويل الآخرين من غير العرب الى ما لايتفق مع فكره وواقعه ، لجأ الى التراث ، الماضي الأقرب الى حاضره الذي استلهم منه الأفكار فطوعها بما يتفق مع الحاضر ، من عودة البطل الفرد ، من حيث انتهت اسطورة البطولة الفردية عبر ازمانها المختلفة ، بدءا من الإغريق وأبطالهم الآلهة ، وأنصاف الآلهة . حتى القرون الوسطى ومعجزاتهم . وصولا الى الأبطال الشعبيين ، من الفقراء غير الحاكمين . بالانتصار الى المحكومين ، الحالمين بالعيش الرغيد ، بعيدا عن الأضواء ، الراغبين بالتعرف على يوميات حياة الحكام بفضول الاطلاع فقط . فمهنة ( الملك ) هي مهنة التسلط الغالب ، والسلطة ما أن تتلبس صاحبها مثل روح شريرة حتى يضيق عليها جلدها ، فتكبر على المكان وسرعان ماتتورم عنده رغبة الشعور بالطغيان ، والتشبث بالبقاء في الحكم أطول فتره ، والطموح بالوراثة الى من يخلفه من الابناء . ما قاله الكاتب ( ونوس ) في مسرحيته عن التسلط ، وما أفصحت عنه الحوارات المتورمة التالية :
الملك : كثيرا ما اشعر أن هذه البلاد لا تستحقني .
وفي مكان آخر :
الملك : يزداد ضيقي ، كلما فكرت أن هذه البلاد لا تستحقني ، أريد أن ألهو ، أن العب لعبة شرسة .
وسرعان ما يحدد نوع اللعبة في الحوار:
الملك : أريد أن اعابث البلاد والناس .
وهو ما يدفعه للعبة خطيرة ، سرعان ما يندم على حماقة لعبها . حين يقدم عرشه هدية ـ لأغراض التسلية وليوم واحد ـ الى رجل مختل العقل يدعى ( أبو عزة المغفل ) الذي تستهويه اللعبة فلا يتخلى عنها ولا عن دوره في اللعبة فيحار الملك الذي اعتقد انها ستنتهي بانتهاء اليوم الواحد . ولم يخطر بباله من أن ( ابا عزة المغفل ) سيتمسك بها وبصلاحياتها ، التي منحته فرصة الانتقام من خصومه الذين أذلوه وأضاعوا عليه اطماعه في الاستحواذ بالثروة لوحده . اذن فالعرش بمقاييس ( أبي عزة المغفل !!! ) لا يتعدى اكثر من فرصة تحقق له الانتقام والاثراء والأخذ بالثأر من علية القوم والخصوم .
اللعبة إذن أعجبت أبا عزة كثيرا وتمنى أن تستمر فكل أوامره مطاعة ، وكل ما يرغب فيه طوع بنانه دون عذاب . لقد عاش السلطة بكل مقوماتها . حتى السلطة لم تكن غريبة عليه ، لقد عاشها يوم كانت حلما كما تدربت عليها عائلته عندما كانت تنفذ له أوامره نزولا عند رغبته في أن يكون آمرا ناهيا . لقد كان انتقاله من الحلم بالملكية إلى الملكية في اليقظة هينا ، وربما نتيجة تدريبه القاسي على السلطة قبل تسلمه لها جعلت منه ملكا اكثر من الملك   سطوة وقسوة . يتوضح ذلك في الحوار التالي :   
الشهبندر : أما تلاحظ أن سحنة الملك تغيرت ؟
الإمــــــــــــــام  : نعم … لقد اصبح ملكا اكثر .
عندها استطاع أبو عزة أن يقضي على ما كان شائعا في فكرة حوار اسبق من : " إن الملك على مقاس الرجل ، والرجل على مقاس الملك " ، وذلك عندما يتلبس الحاكم أبو عزة فيحكم على زوج زوجته أم عزه – أي هو _ وعلى ابنته التي يحكم عليها بالزواج من الوزير ، أو تكون جارية له حسب رغبته . هذه الأحكام أرسطياً نافذة حتى ولو كانت دون علم أو دراية من أبي عزه . فالأبطال يدخلون مأساتهم دون إرادتهم . إذا جاز ذلك فلقد جار بأحكامه على نفسه وعلى زوجته وعلى ابنته . فأم عزة عندما شكت عنده تجاوزات (الإمام والشهبندر) اللذين كانا سببا في تدهور حالهم . نرى أبا عزة يعطيهما الحق ويعتبرها مذنبة في ادعائها لأنها بشكواها إنما تعتبر العرش باطلا ، والملك باطلا ، وان النظام الذي يسود البلاد والعباد باطل في باطل . لأن الإمام والشهبندر هما الناموس الذي يحكم البلاد والعباد ، فيحكم على زوج المرأة – هو – بالتجريس .
الملك : حكمنا على زوج هذه المرأة بالتجريس ، يدار به في كل أسواق
المدينة من الباب الصغير إلى الساحة المركزية . وقسمنا لهذه جعالة
سنوية مقدارها خمسمئة درهم ، يدفعها الوزير من ماله ومقابل ما
يدفعه تعهد إليه هذه الفتاة وله أن يتزوجها ، أو أن تكون جارية في
قصره .
عـــــــــــزة : (تستند إلى أمها صارخة) مولاي …؟؟
الملك : (يدق الصولجان) انتهت الجلسة...
هيا ايها الوزير...
استلهم ونوس مبنى حكائياً لمسرحيته "الملك هو الملك" من حكاية ( النائم واليقظان ) في الليلة الثالثة والستين بعد المائة من ( ألف ليلة وليلة ) ، وهي إحدى اشهر الحكايات وأكثرها تناولا من قبل الكتاب المسرحين . لقد تناولها مارون النقاش عام 1853 بعنوان (أبو الحسن الخليع والجارية شموس) ، في حين أخذها ونوس عام 1977. مستفيدا من الأصل مضيفا إليه مقترحا عليه بعدا فلسفيا من خلال إثارة السؤال : ماذا لو استمرت اللعبة ولم تنته كما انتهت في أصل الحكاية حيث يعود الرجل  إلى بيته وزوجته وابنته بعد انتهاء الليلة المتفق عليها مثلما يعود الرشيد إلى عرشه . إن أبا عزة في لعبة ونوس يظل متشبثا بالسلطة ليهتز عرش الملك . إذن في لعبة ونوس لا فرق بين ملك وملك ، وأبو عزة في العرش هو الرشيد طالما أن الملوك بلا سحنة . وهكذا كانت محصلة الدعابة الملكية التي اختلقها الملك ليتسلى لتنقلب وبالاً عليه . نعم هي وبال حين ينقلب السحر على الساحر ، حين يجهل الحكام نتائج دعاباتهم ولا محدودية سلطاتهم .
لقد قضى ونوس تماما على الوراثة في الملكية. واثبت أن كل شيء ممكن أن يتحقق بالتاج والرداء والصولجان وكرسي العرش . ففي الأنظمة التنكرية لا يحسب حساب الرجال ، إن الذي يحسب حسابه هو التاج والرداء ، ولاشيء غير ذلك .    
زاهد : أعطني رداءً وتاجاً … أعطك ملكاً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

عباس المفرجي: القراءة الكثيرة كانت وسيلتي الأولى للترجمة
عام

عباس المفرجي: القراءة الكثيرة كانت وسيلتي الأولى للترجمة

حاوره/ القسم الثقافيولد المترجم عباس المفرجي بمنطقة العباسية في كرادة مريم في بغداد، والتي اكمل فيها دراسته الأولية فيها، ثم درس الاقتصاد في جامعة الموصل، نشر مقالاته في جرية الجمهورية، ومجلة الف باء، قبل...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram