جاء في كتاب بعنوان "الموصل بين احتلالين 2003 - 2014" لمؤلفه "مواطن عراقي" لم يشأ ذكر اسمه الحقيقي لأسباب أمنية، تصدى الموصليون "في أول تظاهرة عفوية لمشعان الجبوري، عندما أنزل العلم العراقي من مبنى المحافظة ورفع بدلاً منه العلم الأمريكي، في الأيام الأولى للاحتلال الأمريكي عام 2003، ليعلن نفسه محافظاً للمدينة فقابله المواطنون بهتافات مناهضة لسلوكه ورموه بالأحذية والحجارة وأحرقوا احدى سياراته فولى هارباً تحت حماية الأمريكان".وإذ تنشط مجموعات "المقاومة" للاحتلال وسط ترحيب غير معلن من قبل الأهالي، أول الأمر، كما يقول المؤلف، سرعان ما تراجع هذا الترحيب، بعد أن اتضحت الهوية الدينية الطائفية لا الوطنية لـ "المقاومين" ثم مسلسل تشكيل الإدارة الرسمية للمدينة والتباسات العلاقة مع الحكومة المركزية ببغداد، خصوصاً عند تسلم العقيد في الجيش السابق دريد كشمولة منصب المحافظ حتى عام 2009، وبقية الحكاية المعروفة إثر فوز قائمة "الحدباء" بقيادة أثيل النجيفي، وما أعقب ذلك من صراعات داخلية بين الأجهزة الأمنية والحكومة المحلية، وحراك جماهيري واسع عام 2012 للمطالبة بإسقاط العملية وقطع الطريق الدولي بين العراق والأردن وسوريا ورفع المتظاهرون علم العراق القديم بدل الجديد.وإذ يوثق المؤلف لمجريات الصراع، في محافظة سادها العنف والصراع على السلطة المحلية، وتوتر العلاقة بين كردستان وبغداد من جهة وبينها وقيادات الموصل من جهة ثانية، حتى بلغ التدهور الأمني أقصاه، ما ولد حساً شعبياً، يقول الكاتب، بأن أحداثاً خطيرة على وشك الحدوث: احتلال مدينة الرمادي ونصف الفلوجة من قبل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) ولم تعد الموصل بعيدة عن تقدم "داعش" مطلع عام 2014، فتم له، لاحقاً، احتلال المدينة والمحافظة (نينوى) وسط رعب السكان وصدمتهم، بينما صمت الإعلام الحكومي عما يجري.
.. ويستمر الصراع بمنهج وأدوات طائفية مسلحة بين مختلف أطراف الصراع، والموقف المتحفظ إزاء القوات المسلحة الرديفة للجيش العراقي بشأن مشاركتها في تحرير المناطق الواقعة تحت سيطرة (داعش).
ملاحظة 1: تكمن أهمية هذا الكتاب في توثيقه للأحداث بروح الراصد المستقل "إلى حد كبير" وأضعها بين قويسات بسبب تجنبه دور البعث المنحل وما تبقى من قادته العسكريين والمدنيين في العنف المستمر حتى اليوم.
ملاحظة 2:توفر الكتاب/ الشهادة على جانب مهم من المعلومات والوقائع التي تؤشر إلى ثقافة الفكرة المسلحة، دينية أو طائفية أو قومية، وهي في أشد حالاتها تطرفاً وعنفاً في حل معضلات السياسة العراقية بعد 2003.
ملاحظة 3: تشكل طائفية الدولة العراقية الحالية، عبر مختلف مؤسساتها التشريعية والتنفيذية والقضائية، أس الأزمة المستعصية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، ما يمنح الأطراف المعارضة مبررات تكوين هيآتها الحزبية وخطابها السياسي ببعدها الطائفي المضاد.
ملاحظة 4: عدم الثقة والخوف من الآخر بين أسباب غياب الشفافية وعدم الوضوح وتجنب تسمية الأشياء بأسمائها، في بيئة اجتماعية وسياسية متوترة جراء العنف المنفلت وسطوة المليشيات والعصابات المتحكمة داخل بنية الدولة ومؤسساتها، كسلطة داخل السلطة، أو حتى دولة داخل الدولة.
ملاحظة 5: المواطن العراقي ليس بريئاً مما يجري، فهو لم يتمكن من تحقيق وجوده مواطناً مدنياً، متصدياً لعنف الجماعات المسلحة وظاهرة الفساد العريضة التي باتت تمثل ثقافة أمر واقع في حياة الناس.
ملاحظة 6:تتحمل الإدارة الأمريكية التي أمرت بـ وقادت عملية الاحتلال المسؤولية الكبرى، سواء من حيث المبررات التي سوغت عملية الاحتلال (أسلحة الدمار الشامل) أو طريقة الاحتلال في إدارة البلد وإقامة سلطاته الجديدة، فلم ينتج الاحتلال غير ثقافة مسلحة في مجتمع مضطرب تقوده دولة فاشلة عبر حكومة من الفاسدين والطائفيين والعملاء، عبر عنها أقطاب في العملية السياسية نفسها، ومن من مشاهير الفاسدين، وإن تجنبوا ذكر أسماء شركائهم وهي معروفة للقاصي والداني.
الموصل.. ضحية الثقافة المسلحة
[post-views]
نشر في: 1 فبراير, 2016: 09:01 م