5-5
كما قلت في عمود الأسبوع الماضي، كتاب آخرون في السلفادور يعملون في وظيفة حكومية، عليهم أن يحسبوا حسابهم بحذر قبل أن يكتبوا. مونليو آرغويتا (سان ميغيل، السلفادور 1935) مثلاً، الروائي والشاعر الذي يعمل مديراً للمكتبة الوطنية (حلم معظم الكتاب بالعمل بهذه الوظيفة، منذ أن عمل فيها الارجنتيني بورخيس)، والذي اشتهر بروايته "يوم واحد من الحياة"، عمله الذي تُرجم إلى 15 لغة، (بيتر هامر، فوبيرتال 1980)، هو مثال آخر. انه أحد ما أطلق عليهم "جيل الالتزام"، جماعة أدبية أحد أشهر مؤسسيها الشاعر روكه دالتون، اشتهرت بنشاطها السياسي. لكن على عكس روكه دالتون الذي التحق بفصيل "القوى الشعبية للتحرير"، إحدى فصائل فارابندو مارتي، والذي قتله رفاقه عام 1975 بتهمة العمالة للسي أي أي، وشق الحركة الثورية، بسبب أفكاره اليسارية الليبرالية، ذهب آرغويتا إلى المنفى عام 1972، إلى كوستاريكا، حيث عاش حتى عام 1993. الكاتب الدمث الذي لا تفارق الابتسامة محياه والذي يتحدث بصوت خافت دافئ، يُرجع القطيعة الحالية بين المثقفين والسلطة "اليسارية" إلى علاقة المجتمع في السلفادور بالأدب. فبالنسبة له، ليس كما هو الأمر في نيكاراغوا، حيث أغلب المثقفين قادمين من الطبقة الأرستقراطية، سواء في الماضي أو في الحاضر، "خذ روبين داريو كمثال"، أو "سيرجيو راميرز وجيوكوندا بلي"، أن يكون المرء شاعراً في نيكاراغوا فهو أمر عظيم، "الشاعر شيء مقدس"، ولا تهم درجة القطيعة هناك بين السلطة والمثقف، إلا أن السياسي ورجل السلطة يفتتح المهرجانات الشعرية، وإن اضطراراً. علينا ألا ننسى، "أن الذي أطلق النار عام 1956 على الديكتاتور الأب سوموزا غارسيا هو شاعر، (يقصد الشاعر ريغوبرتو لوبيز بيريز الذي تنكر بزي نادل وفتح النار في حفل في مدينة ليون على الديكتاتور مباشرة، ليموت نتيجة جراحه بعد ثمانية أيام). "هنا في السلفادور"، يقول آرغويتا، "كل الشعراء يأتون من عوائل فقيرة، لهذا كانت نظرة السياسي مثل نظرة المجتمع مريبة للشاعر"، طبعاً العلاقة المريبة هذه تفاقمت أكثر، بعد مقتل روكه دالتون، "حتى اليوم لم تنجح فاراباندو مارتي وهي في السلطة بحل الإشكالية هذه"، وهي تعني اغتيال الشاعر، رغم عبثية قتله وبطالة التهمة، اكتفوا بوضع تمثال له في حديقة الجامعة المستقلة في سان سلفادور. رسمياً لا حديث عنه، كأنه لم يوجد ولم يعش ذات يوم في السلفادور. وفيما يخصه هو آرتيغا، فبعد هذا العمر، لم يعد يعنيه كيف تنظر السلطة إليه، المهم أن يكتب، "الدليل على ذلك"، يقول وهو ينهض، لكي يجلب آخر كتبه، "شعراء الشر"، عنوان الرواية التي واضح من عنوانها أنها تتكئ على "أزهار الشر" لبودلير، والتي تتحدث عن ثلاثة شعراء: هنري ميشو، روبن داريو وبابلو باييخو، الذين يتجولون بين الواقع والخيال في عالمهم الخاص: مدينة الشعراء الأموات. هل هذا هروب مما يدور حوله؟ يسأل الزائر، وهو يشير بيده خارج النافذة، حيث يمكن رؤية القصر الوطني والكاتدرائية، وحيث الساحة الرئيسية في الحي التاريخي لسان سلفادور، حسب التقارير الرسمية، أحد أخطر مناطق الجريمة في العالم، حيث تحكم عصابات المارا وقانون الغاب، "لا أدري"، يهز آرتيغا رأسه وهو يبتسم.
خيبة أمل المثقفين من جيل الثورة هي التي جعلت الجيل الجديد من الكاتبات والكتّاب يبحث لنفسه عن طريق جديد، "يريدون اجبارنا لأن نتحدث عن الثورة والحرب"، تقول الكاتبة السلفادورنية فينيسا نونيوث حنظل (1973)، "وأنا أقول لهم، أنتم فشلتم، فأتركونا لحالنا مع مواضيعنا"، زملاء عديدون في نيكاراغوا والسلفادور يشاركون صاحبة "الله يملك الخوف" رأيها، لا يريدون أن يعرفوا شيئاً عن الماضي، "لقد تعبنا من الحرب"، تقول حنظل، "ومن الكذب"، يكمل زميلها الكاتب النيكاراغوي ، ونحن نجلس في مقهى في سان خوزيه، البحث عن مواضيع جديدة، ذلك هو الشعار الذي يرفعه الشباب، وفي هذا لا تبخل أميركا الوسطى، خاصة في المواضيع التي تبحث عنها الكاتبات: الذكورية والعنف ضد المرأة والاغتصاب هي روتين يومي هناك، لم تسطع أن تغير منه حتى حكومات اليسار.