في أزمنة الخراب ، يتدهور كل شيء : مؤسسات الدولة ، ضمائر السياسيين ، نزاهة المسؤولين ، وقبل هذا وذاك روح المواطنة التي تتبخر في أزمنة النفاق والطائفية ، باختصار كل شيء يتراجع لأن الخراب مثل الوباء حين يعم تزحف المقابر إلى قلب المدينة مثلما اخبرنا ألبير كامو في رائعته الطاعون .
منذ سنوات ونحن إزاء حكايات أخرى للوباء الذي يفتك بنا جميعا، وأعني به وباء الانتهازية والمصلحة الشخصية.. ، فنحن هنا لسنا إزاء مرض قاتل فقط، وانما بمواجهة التغيير الذي يحصل في علاقات الناس، فالمسؤول يبيع للناس طمأنينة زائفة مقابل ان يحصل على مزيد من الثروات مستغلا خوفهم وقلقهم، ورجل دين يلوح بغضب الخالق على عبادة الذين يعصون "أولي الأمر"!
أعرف جيداً أن الكثير من القرّاء الأعزاء يجدون في حديثي عمّا يجري في بلدان العالم نوعاً من الترف لا يهم المواطن البسيط المبتلى بأنباء عواطف النعمة وشقيقاتها ،ولكن اسمحوا للعبد الفقير أن يتحدث عن خبر مثير جرى امس حيث قام الرئيس بمداخلة هاتفية مع برنامج تلفزيوني واتمنى عليكم ان لا تتوهموا ان رئيسنا او رئيس الوزراء او حتى مديري مكتبيهما يمكن ان يجريا مداخلة لبرنامج تلفزيوني ، فبطل الواقعة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي اجرى مداخلة ليعلق على ما قاله مذيع عن احداث تمر بها مصر .
وأنا أسمع مداخلة السيسي ، طافت بخيالي صور زعماء ومسؤولين يتجولون في الشوارع ويمازحون الناس، وهي صور تحمل الكثير من الدلالات والمعاني تجعلنا، نحن المساكين، نشعر بالمرارة والأسى حين نرى مدير عام دائرة يحيط نفسه بأسوار عالية وجدران عازلة يستحيل اختراقها، لا يلتقي بالناس وجهاً لوجه، لا يصافحهم إلا بعد أن يتأكد من عدم إصابتهم بأمراض معدية، بالطبع أنا لست خيالياً حتى أدعو السادة المسؤولين إلى أن يجلسوا معنا ويتمشوا في الأسواق وان تتكحل عيونهم بأكوام “الأزبال” ، فنحن نعلم أن السادة المسؤولين ثروة وطنية يجب الحفاظ عليها وحمايتها من غريبي الأطوار أمثالنا، أنا فقط أريد منهم أن يتركوا الناس يعيشون حياتهم بشكل طبيعي دون وصاية ودون شعارات مضحكة من عينة “أن الديمقراطية في العراق هي التي أشعلت فتيل التغيير في العالم العربي”.
أعتقد، وبيقين ، أن لا أحد يقرأ ما نكتب وان قراءه فانه يضحك ساخرا منا ، ومع ذلك أرادت يوما حنان الفتلاوي ان تثبت انها تقرأ ، فكتبت في صفحتها على الفيسبوك : ان ما أنشره جنابي لايمتّ الى الواقع !
اليوم لم تعد السيرة الذاتية للمسؤول مهمة كثيرا. ولم يعد المؤهل والكفاءة هما اللذان يربحا المنصب ، فهذه امور الغيت في كل مكان وفي جميع المستويات، و لايوجد استثناء .للاسف .
ألو .. الرئيس على الهاتف
[post-views]
نشر في: 3 فبراير, 2016: 09:01 م
جميع التعليقات 2
د عادل على
فى العهد السعيدى كان طبيعيا ان ترى مثلا وزير الماليه ضياء جعفر فى سوق القماش ليجلس فى دكان صديقه احمد فيلى----والحاج احمد كان يتفاخر بوزير الماليه ويهتف بصوت عالى ---جاى جى جاى جى فد استكان جاى الوزير الماليه ضياء جعفر-انا كنت شاهد عيان و وزير الداخليه
بغداد
مضبوط كلامك يا ايها الكاتب الأنساني يا علي حسين ... وايضاً المعضلة هي خطيرة جدا لأن الشعب جُبل على عدم الوعي وعلى طاعة ولي الأمر طاعة عمياء مهما بالغ في اذيتهم بسبب اعتقادهم ان هناك رجل دين له سلطة روحية مقدسة معصومة ويجب تقديسها وتقديسه فلا يجوز التفكير