للمخرج الراحل قاسم محمد مسرحية بعنوان "نفط نفط" قدمتها فرقة قصر الثقافة والفنون التابع لوزرة الشباب منتصف سبعينيات القرن الماضي ، حرص المخرج وقتذاك على أن يشارك الممثلون في كتابة النص من حكايات وشواهد جرت على ارض الواقع في محاولة لتسليط الضوء على معادلة مستعصية برزت منذ زمن حفر بئر بابا كرر ، تتلخص المعادلة بان العراق الوحيد من دول المنطقة الغنية بالنفط يعيش الملايين من أبناء شعبه تحت خط الفقر.
العاصمة بغداد تجاوزت الرقم القياسي في اعداد المتسولين من الجنسين باعمار مختلفة وعاهات أصلية واخرى مصطنعة ، في عاصمة دولة البترول تُعرض يوميا بنجاح ساحق مشاهد تتكرر في التقاطعات والشوارع العامة من فيلم هندي من نوع الميلودراما ، تجسد مظاهر الفقر والجهل والمرض ، والحظ الأسود (المصخم الملطم) ، وفواجع القدر ، ولكثرة تكرار المشاهدات باتت لاتثير اهتمام المارة ومواكب المسؤولين بسيارات الدفع الرباعي .
مع بروز اسئلة في الشارع العراقي عن جدوى تراخيص معالي الوزير حسين الشهرستاني النفطية مسرحية الراحل قاسم محمد تصلح للعرض هذه الايام ، لعلها تحث العراقيين على شد الحزم مع توجيه اسئلة للمسؤولين السابقين والحاليين للإجابة على سؤال واحد محدد أين فلوس النفط ، ولماذا حققت بغداد الرقم القياسي في أعداد المتسولين ، الإجابة على السؤال الأول تحتاج الى توافق وطني ، أما الثاني فستكون بتوجيه أصابع الاتهام الى مافيات تقف وراء زج المزيد من المتسولين في الشوارع والمسألة لا تخلو من احتيال ، برغم ذلك وزارة العمل والشؤون الاجتماعية ستشمل 450 الف شخص وأسرة ضمن برنامج الرعاية الحكومية حين ترتفع أسعار النفط في الاسواق العالمية ، هذا الكلام يندرج ضمن ما يعرف بكلام الجرائد المصطلح العراقي السائد للتعبير عن الاستهانة بالتصريحات والوعود الرسمية ، سواء صدرت من مسؤول كبير في الحكومة ، او من وزير او وكيل.
"حجي الجرائد" هو شكل آخر من "الخريط السياسي" في بلد ميزانيته في سنوات سابقة وصفت بانها انفجارية و"المجادي" فيه يشكلون النسبة الاكبر من عدد ناخبي الاحزاب الدينية ، في عقد الستينيات تحرك أحد الحزبيين على بائع نفط في منطقة الكاظمية يجر عربته بنفسه لعجزه عن شراء حصان لغرض ضمه للحزب ، وبعد مشاورات وتعهد بخوض المعترك النضالي ، وتنفيذ التعليمات الحزبية بكل دقة ، صدر التوجيه بأن يستخدم بائع النفط مفردة "نفطكم " واثناء تجوال البائع لتنفيذ الأمر الحزبي وهو يردد "نفطكم "أثار انتباه رجال الامن ، وفي مركز الشرطة "خرط عنده السوق " من أول" سطرة " واعترف بانه كلف من قبل الرفيق" فلان " بقول "نفطكم " ليثير انتباه الجماهير ، ويحفزها على المطالبة بحصتها من الثروة الوطنية ، وحينذاك سيشتري دشداشة جديدة ،وتخلو شوارع العاصمة من المجادي والمتسولين ، الف رحمة على روح المخرج الراحل قاسم محمد استشرف الوضع العراقي قبل عشرات السنين .
لعنة بابا كركر
[post-views]
نشر في: 5 فبراير, 2016: 09:01 م