بالمصادفة قرأت إضاءة طفيفة وضعها الشاعر فوزي كريم في صفحة له على فيسبوك وذلك للتعريف بظروف ولادة قصيدة له فكانت مفيدة، لي في الأقل، ولاقترابي من عالم القصيدة، وأحسب أن اق
بالمصادفة قرأت إضاءة طفيفة وضعها الشاعر فوزي كريم في صفحة له على فيسبوك وذلك للتعريف بظروف ولادة قصيدة له فكانت مفيدة، لي في الأقل، ولاقترابي من عالم القصيدة، وأحسب أن اقترابي كان يكاد يكون مستحيلاً من دون هذا الضوء التعريفي.
عنوان القصيدة المنشورة بهذه الصفحة هو (فردوس الحمقى)، وهذا العنوان تعبير كان الشاعر صادفه في جملة لإمرسون كان يتحدث فيها عن (اغتراب الكائن في التجوال). توضح الإضاءة ذلك، وتوضح أيضاً ظروف كتابة فوزي كريم قصيدته (فردوس الحمقى) في مغتربه اللندني وصلتها بتعبير إمرسون.
لا بأس في أن يحتاج نص شعري لمثل هذا الضوء ليكون هادياً لقارئه. لا ضرر في ذلك، لا تعبّر الحاجة إلى هذا التعريف عن (نقص) تعبيري في القصيدة لكنها تملأ فراغاً متوقعاً في معلومات قارئ النص. هذا التعريف هو أقرب إلى ما كان يضعه الشارحون والمؤرخون العرب القدامى من معلومات وإشارات إلى وقائع وإلى صلتها بقصيدة من شعر قديم فتكون دليلاً ومعيناً للقارئ وهو يدخل عالم القصيدة.
القول بأن النص الأدبي عالمٌ مكتفٍ بذاته، وبأن أية حاجة معه إلى معلومات وإلى ما يساعد في التقرب إليه هو تعبير عن كونه ناقصا وغير مكتمل وحتى غير ناجح، هو قول يحيل إلى مشكلة تعبيرية أخرى غير مشكلة الحاجة إلى مثل الضوء التعريفي الذي صادفته من فوزي كريم وساعدني فعلاً في قراءتي قصيدته.
تكون القصيدة غير مكتملة حين تكون بها حاجة إلى ما يكملها شعرياً؛ أبيات أو كلمات أو أسطر شعرية، وهذا لا صلة له بما يضيء القصيدة ــ من خارجها ــ بمعلومات ومعرفة بوقائع وإحالات تشكل بعضاً من مكونات القصيدة أو تؤثر فيها. مشكلة النقص الشعري في قصيدة تضارع مشكلة الثرثرة الفائضة عن اللزوم فيها حين تستطيع، كقارئ أو ناقد، حذف ما يمكنك حذفه من دون تأثير على القصيدة.
ضوء فوزي كريم يسّر معلومات تصلح لتكون مفاتيح بيد القارئ.
نحتاج إلى مثل هذه المفاتيح حين نكون عند عتبات الكثير من القصائد في شعرنا وفي شعر ثقافات أخرى.
يحصل هذا مع شعرنا العربي القديم، ويحصل حتى مع الشعر الحديث عربيا وعالميا، وإلا كيف يمكن الاقتراب من (الأرض الخراب) بإحالاتها وإشاراتها وتضميناتها المتشعبة من دون أضواء جرى تسليطها على القصيدة، وهذا ما ذلل الكثير من مشكلات القراءة مع (الأرض الخراب).
ضوء فوزي كريم لم يتوقف عند حدود تعريفٍ كان مفيداً. إنه يشفعه، بفقرة تالية، هي أقرب إلى (التفسير) النقدي لجانب أساسٍ من قصيدته القصيرة.
تقول فقرة الشاعر عن قصيدته: ((تتكرر "عبثاً" مراتٍ ثلاث: بشأن "أيام الخروج الصعبة"، ولامبالاة الطبيعة في الأرض (التيار)، وفي الكون (الشمس)، وأسير الحرب، أو العائد منها. ثم تأتي ثمرة الخبرة في المقطع الأخير، ولكن بيتَ السكن فيها، والذي يقع بين هاويتين، مضيقٌ. وكذا السعي إلى ضفة الخلاص)).
وأحسب أن هذا خارج دائرة مسؤوليات الشاعر إزاء قصيدته أو إزاء قارئها إن لم يعق هذا التفسير فرص القارئ في تفسيرات ربما أخرى غير ما اراده الشاعر.
إنه تفسير يقيد القارئ وقد يعيق حريته.
فردوس الحمقى
فوزي كريم
عبثاً يخترقُ الإنسان
تيارَ الأيامِ الصعبة
للحوضِ الآسنِ في الغربة.
عبثاً يكترثُ التيارْ
لعظامِ الغرقى،
وتُعيد الشمسُ الدورةَ فوقَ خرابِ الدارْ.
عبثاً ينتصرُ أسيرُ الحربِ على الأحلامْ،
والعائدُ بين الجثثِ على جثثِ الأيامْ.
ولذا لا أُنكرُ أنَّ الأسفارْ
فردوسُ الحمقى،
والبيتَ مضيقٌ يوصلُ هاويتينْ،
والعابرَ بحراً بحثاً عن ضِفةٍ أخرى
قد يفقِدُ ضفتينْ.