اعتادت خلال السنوات الماضية ومنذ ان بدأ العراقيون الاحتفال بعيد الحب أن تهنىء زوجها برسالة صغيرة على هاتفه الخلوي فهي لا تخاطر بإهدائه وردة حمراء او دبدوباً أحمر، لأنها تعرف ردِّه مسبقا .." انه بدعة " وتعرف بقية الجملة أيضا فـ" كل بدعة ضلالة وكل ضلالة الى النار " ...وبرغم أنها مؤمنة بالله وبعذاب النار لكنها مؤمنة ايضا بان الحب لا يمكن ان يكون سبباً يفضي الى عذاب النار ، لذا جرَّبت حظها هذا العام ايضا فكان ردُّ زوجها مفاجئا جدا :" الحب هو شريان الحياة ..كل عام وانتِ الحب ياحبيبتي "!!
ربما فاجأها ردُّ الزوج لكن كل ما يأتي بالتدريج لا يعتبر مفاجئا ، وما حدث مع اغلب العراقيين هو تحول تدريجي وكبير من التطرف والايمان به الى الاعتدال والايمان بالحب والبحث عن كل ما يجعل الحياة أجمل. وما جرى في شوارع بغداد في رأس السنة الجديدة وعيد الحب هو اكبر دليل على ذلك فقد تجاهل العراقيون اعتبار تلك الاعياد بدعة وافدة من الخارج وتشبه بالغرب واختاروا ان يحتفلوا بها لإضفاء شيءٍ من التغيير على روتين حياتهم القاتل وشيء من الحب على جفافها ..في تلك الشوارع ذاتها كان يدور احد الفتيان حاملا ورودا حمراء ليبيعها للعشاق لكنه قال لمن هنأه بعيد الحب من المارة :" عمي يا حُب ...احنه وين والحُب وين ..هذا باب عيشتنه "....بهذه الطريقة ايضا تحول الحب الى باب لكسب العيش وابعد ما يكون عن تفكير من يسعى لكسب العيش بكل الطرق ..هؤلاء مثلا يفكرون في من جعل حياتهم اصعب وطرق معيشتهم وعرة ونحن نفكر في من حول الحب الى جريمة لا تغتفر وتهديد الوئام بين الاديان والمذاهب فرصة للمراهنة في سباق الصراع من اجل البقاء في ساحة السياسة ..وبالتدريج ايضا ، ادركنا ان الخطابات الدينية الداعية الى الكراهية والغاء الآخر بدأت تخنقنا فهي صادرة من رجال دين يرتدون عباءة الدين غطاءً لأفعالهم ورجال سياسة يرفعون شعارات الدين لاجتذاب شرائح معينة ما زالت تبحث عن الإنقاذ في اتباع تلك الخطابات مهما كبَّدتهم من خسائر فهم – أي رجال الدين والسياسة – يتقنون اللعب على أوتار الطائفية والتطرف بتقديم مفاهيم فاسدة لتحقيق اهدافهم مدركين تماما ان فساد المفاهيم اشد خطرا واصعب علاجا من فساد السلوك !!
ربما يكون المسؤول الذي ألغى الاغنية الوطنية من منهاج مؤتمر التعايش السلمي واحداً من هؤلاء لأنه فرض مفاهيمه المتطرفة على من حاول بسلوكه السعي الى ايجاد ستراتيجية جديدة لنبذ الكراهية ورفع لواء الوئام بين الأديان والمذاهب وبالتالي المناداة بالحب والتسامح ، لكن أملا بدأ يحدونا في ان مثل هذه الأفعال ستقود العراقيين تدريجيا الى اعتناق مفاهيم جديدة بعد ادراك الاهداف الحقيقية وراء خطابات رجال الدين والساسة اللاعبين على أوتار الطائفية والمراهنين على جهل الشعب بنواياهم !!
في النهاية ربما سندعو نحن وباعة الورود الحمراء الى مفاهيم واحدة فننادي بنبذ التطرف والداعين له لكي لا نكون بمنأى عن الحب والتسامح ولكي لا يكون الحب بابا للمعيشة فقط، بل بابٌ لحياةٍِ أفضل وأقل تلوثاً بالمفاهيم والسلوكيات الفاسدة!
قريباً من الحُبِّ
[post-views]
نشر في: 15 فبراير, 2016: 09:01 م