إنها ليست الكلمة السحرية التي يكفي مجرد النطق بها للعصف بما نحن فيه من محن وكوارث، ولا هي بالتعويذة اللازمة للخلاص من الفساد الإداري والمالي ولإعادة ملء خزينة الدولة بمئات مليارات الدولارات الطائرة منها إلى ما وراء الحدود كما الريش في مهبّ الريح، ولدحر داعش واستعادة الموصل وسائر المناطق المحتلة منه.
التكنوقراط هم أصحاب الكفاءة والخبرة والعلم، كلّ في مجال اختصاصه. والآن يراد لنا أن نعقد آمالنا كلها ونعلّق أحلامنا جميعها عليهم، فيجري الترويج لفكرة أن حل أزمة الحكم لدينا، وبالتبعية سائر أزماتنا ومشاكلنا، يكون بتشكيل حكومة مؤلفة من هؤلاء التكنوقراط الذين لا يأبهون بالسياسة وألاعيبها ولا يهتمون بالحزبية وفنونها.
لكنّ الواقع أن مشكلة الحكم لدينا، وسائر الأزمات والمشاكل التي نكابدها، أكبر وأعمق من مجرد حاجتها إلى وزراء تكنوقراط، فحكومة من أفضل وأمهر الخبراء في المال والاقتصاد والإدارة والهندسة والطب والدبلوماسية، لن تكون بالضرورة قادرة على تحويلنا من دولة فاشلة إلى دولة نصف فاشلة، في أحسن الأحوال، ولو بعد عشر سنوات. كل الحكومات المتشكّلة منذ 2006 حتى اليوم كانت تتألف في مجملها من حملة الشهادات العليا والاختصاصيين في مجالاتهم، من مهندسين وأطباء وأكاديميين، لكنّ تلك الحكومات ظلت تسجّل الفشل تلو الفشل وتحقق الخيبة بعد الخيبة، حتى بلغنا الآن أعمق هوّة في القاع، ولم نعد نتبيّن كيف لنا أن نخرج من هذه المحنة المهددة لكيان دولتنا ومجتمعنا على نحو لم يسبق له نظير على مدى التاريخ.
لنتفحّص جيداً علّة نظامنا السياسي – الاقتصادي – الاجتماعي. هذه العلة تبدأ من الدستور الناقص الأعوج وبالعملية السياسية التي لم تنشأ على هذا الدستور وحده وإنما على نظام مناقض لما جاء به الدستور، هو نظام المحاصصة .. الدستور ونظام المحاصصة هما ما وفّرا البيئة المناسبة لتولّي غير النزيهين إدارة مؤسسات مدنية وأجهزة عسكرية وأمنية حيوية في الدولة، فتفشّى الفساد على نحو ندُر نظيره، وصارت الدولة عبئاً ثقيلاً على المجتمع.
النزاهة هي ما يلزمنا الآن قبل غيرها وأكثر من غيرها .. التكنوقراط غير النزيه أكثر خطراً من غيره، لأنه يحذق أكثر من هذا الغير في الفساد والإفساد وفي التخريب.. كلّ الذين حملوا حقيبة الكهرباء منذ 2003 كانوا من التكنوقراط، وبعضهم من أكثر التكنوقراط مهارة وكفاءة، لكنّ البعض منهم كانت تعوزه النزاهة، فانتفع حزبه وكتلته بعشرات ملايين الدولارات من العقود التي أبرمها لما يُفترض أنه حلّ لمشكلة الكهرباء، فيما لم يستفد من خبرة هؤلاء الوزراء وكفاءتهم وعلمهم الشعب الذي يعاني حتى اللحظة من تردّي هذه الخدمة المصروف عليها، أو بالأحرى على فسادها، أكثر من ثلاثين مليار دولار في عشر سنوات فقط !
التكنوقراط ليسوا الحل .. النزاهة أولاً والنزاهة ثانياً والنزاهة ثالثاً.. ثم التكنوقراط.
التكنوقراط ليسوا الحلّ
[post-views]
نشر في: 16 فبراير, 2016: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو سجاد
المشكلة ليست في النزاهة وحدها من الممكن تحصل على وزير نزيه ولكن كيف تحصنه من التبعية الحزبية والمحاصصاتية هل يستطيع هذا الوزير ان يعمل بمعزل عن رئيس كتلته وحزبه بالتاكيد لايستطيع فنحن اليوم بحاجة الى التخلص من المحاصصة قبل نزاهة الوزير فالوزراء السابقو
ياسين عبد الحافظ
اعجبني المقال لصدقه واخلاصه للناس والبلد ففكرت بما ساكتبه لك تغبيرا عن فرحي وتقديري لاقلام نزيهة تبقى ملتزمة بهموم الناس ولم اجد غير كلمة واحدة هي:كووووووووووووووووول .