TOP

جريدة المدى > سينما > الفتاة الدنماركية.. بين جمال الانثيال البصري وقسوة الحكاية وعمقها

الفتاة الدنماركية.. بين جمال الانثيال البصري وقسوة الحكاية وعمقها

نشر في: 18 فبراير, 2016: 12:01 ص

“لقد أرادني الله على هذا النحو”.هذا ما يقوله اينار ويغنر او ليلي ، لحبيبته ولزوجته في اخر الفيلم المدهش " الفتاة الدنماركية ." اذن "اذا كان الله اراد لهؤلاء الاشخاص ان يكونوا هكذا ، فلماذا الاعتراض  ، اذا كان بالإمكان تصحيح الحال وجع

“لقد أرادني الله على هذا النحو”.
هذا ما يقوله اينار ويغنر او ليلي ، لحبيبته ولزوجته في اخر الفيلم المدهش " الفتاة الدنماركية ."
اذن "اذا كان الله اراد لهؤلاء الاشخاص ان يكونوا هكذا ، فلماذا الاعتراض  ، اذا كان بالإمكان تصحيح الحال وجعل الشخص ينتمي الى ما يشعر به جسديا وروحيا ، بدلا من ان يكون معلقا بين الحالتين ، متحملا سخرية المجتمع ، والى متى يخفي البعض رأسهم خجلا وهم يشاهدون او يقرأون سير بعض من هؤلاء ؟"

الحكاية
زوجان شابان يعيشان في الدنمارك ، كلاهما فنان تشكيلي ، متحابان لا يكدر حياتهما شيء ، الزوج  " إيدي ريدماين " رقيق جدا ، ابتسامته توحي بعذوبة روحه ، وزوجة جميلة ومثابرة  " أليشيا فيكاندر     " ، تحمل الكثير من السمو والايثار  في خفايا شخصها ،  الا ان تأخر راقصة باليه ، التي تعمل الزوجة على رسمها كموديل للوحاتها ، وفي لحظة مرح بين الزوجين تطلب الزوجة ،وبسبب جمال شكله ونعومته، ان ترسمه بدلا من موديلها ، فتلبسه جوارب وحذاء الباليه ، فيبدو كأية فتاة جميلة ، فيستسيغ الفكرة ، وتتحرك داخله حاسة الانتماء الى الجنس الاخر ، تتحرك في داخله الانثى التي يشعر ، ويبدأ بالإعلان عن ذلك وبالتدريج لزوجته المتفهمة ، لكنها رغم ذلك تقول له في احد المرات "متى استعيد زوجي" كونها كانت تظن ان الحكاية عبارة عن مزحة لا اكثر . لكنها وفي ظل تطور الامر ، تقف بجانب زوجها في رحلة تحوله هذه مدافعة عنه ، حتى اللحظة الاخيرة ، حيث يجري عملية التحول الثانية ، بعد العملية الاولى التي تمت فيها إزاله عضوه الذكري ، لكنه في هذه المرة لم يستطع المقاومة فيموت ، قائلا لها قبل ذلك "لقد ارادني الله هكذا".

الاشتغال
بعد فيلمه المهم "خطاب الملك" ، يعود المخرج توم هوبر بفيلمه "الفتاة الدنماركية" ليؤكد عمق اختياراته  لمواضيع الافلام التي يخرج ، فهذا الفيلم لا يقل من حيث المستوى الفني والسردي عن تحفته “خطاب الملك” (2006) ، فاختار سيناريو  "لوسيندا كاستون" المستند على رواية  الكاتب ديفيد ايبرشوف ، والمأخوذة بدورها عن القصة الحقيقية لحياة "ليلي" او الرسام الدنماركي إينار ويغنر ، هوبر استفاد الى حد كبير من جمال الطبيعة ، فسخرها كلوحات تشكيلية فائقة الجمال ، تتناغم مع المنحى السردي للفيلم ، حتى بيت الزوجين الشابين ، تعامل معه كلوحة فنية ، فبين مشهد واخر تبهرك لوحة فنية ، او منظر لطبيعة خلابة ، بيوت المدينة ، شوارعها ، حدائقها ، كانت زوايا الكاميرا صانعة لانهيال بصري مدهش ، كذلك استفاد كثيرا من قدرة بطليه ، في تجسيد شخصيات حكايته، خصوصا الممثل ايدي ريدماين ، الذي حاز على اوسكار افضل ممثل في العام الماضي عن فيلمه "نظرية كل شيء" ، والتي ادى فيها شخصية العالم ، لذلك لا غرابة ان يترشح ريدماين لأوسكار جائزة افضل ممثل والتي حصل عليها العم الماضي عن الفيلم الجميل " نظرية كل شيء" وكذلك ان تترشح بطلته " أليشيا فيكاندر" لجائزة اوسكار افضل ممثلة مساعدة .
لم يترك هوبر اي عنصر من عناصر اللغة السينمائية لم يوظفه بطريقة اخاذة ومعبرة ، لذلك جاء السرد البصري متكاملا ، لا يجعلك تشعر ان ثمة نقصا هنا او هناك ، الحوار العاطفي المضمر ببعده فلسفي ، يبحث عن كيفية الخروج من محنة ما اختاره القدر "الرب"  لليلي ، ليس ثمة زوائد فيه ، بل جاء مكملا لجمالية التدفق الصوري الأخاذ .
لقطات عديدة مما يطلق عليه "لقطة رد الفعل" استخدمها هوبر ، للتعبير عن كم الانفعال والاحراج الذي تشعر به حبيبته وزوجته اليشيا ، والتي كانت موفقه في اداء دورها عارفة بما يعنيه ان تعيش امرأة في هكذا وضع وتمر في هكذا محنة .

الأداء
بطل وممثلة مساعدة ، ايدي ريدماين واليشيا فيكاندر ، هما من ارتقى بمستوى العمل ، ريدماين يجعلك تشعر بوجود ليلي ، الشخص ثالث بينهما ، ربما تبحث عنها او تتمنى ان تراها في المشهد التالي او اللقطة المقبلة ، كذلك استطاع ان يوصل لك عمق المعاناة الانسانية التي يشعر بها من يمر في هكذا مشكلة ليست له يد فيها .
اليشيا فيكاندر ، الدور الداعم للحكاية وللبطل فيها ، كان رسمها من قبل كاتب السيناريو والمخرج  لتبعث برسالة الى الجميع  ان الحب لا يمكن ان ينتهي حين يضرب القدر بقوة ، والوصول الى النهاية سعيدة كانت ام محزنة امر لابد منه ، واستطاعت اليشيا ان تؤدي الدور المرسوم لها بما يؤثر على عاطفة المتلقي وجعله يتعاطف معها بقدر تعاطفه مع محنة البطل .

تساؤلات
لماذا يمنع الفيلم في عدد من البلدان العربية ؟ الا يوجد لدينا العديد من الشباب ومن كلا الجنسين يعانون من مشكلة المثلية ، وانحيازهم للجنس الاخر ، هل يفترض بنا كشعوب مسلمة وعربية ان نضع رؤوسنا في الرمال امام مثل هكذا مشكلة ، وهل عاد منع الفيلم يجدي مع وجود العديد من المواقع التي تبث الافلام مجانا ، مثلما حدث مع فيلم "الرسالة" الذي ما زالت احدى الدول العربية تمنع عرضه في الوقت الذي تبثه العديد من القنوات التابعة لأحد أثريائها في كل مناسبة ، متى يمكن لنا ان نناقش مشاكلنا كلها مثلما يناقش الغرب مشاكله ؟

خاتمة
الفتاة الدنماركية هو من نوع الافلام التي تغوص في عمق النفس البشرية ، طارحا ما يجب ان يطرح ، لنقول لا شيء  يجيز بقاء معاناة انسان ما ، ما دام بالإمكان انهاء هذه المعاناة ، فاذا كانت ليلي قد ماتت بسبب عدم وصول الطب في حينها الى ما وصل اليه حاليا، الان اصبح بالإمكان ان ننهي معاناة هؤلاء الاشخاص ، وعدم الابقاء على ما يعانون سرا . لذلك جاء الفيلم ليؤكد اهمية السينما في طرح ما هو مسكوت عنه خصوصا في عالمنا العربي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram