TOP

جريدة المدى > عربي و دولي > من «الأستاذ» إلى التلاميذ : لا تعيشوا عصرنا عيشوا عصركم

من «الأستاذ» إلى التلاميذ : لا تعيشوا عصرنا عيشوا عصركم

نشر في: 18 فبراير, 2016: 12:01 ص

سبعون سنة فقط، فرق السن بين المُحاور والمُحاوِر.الأول محمد حسنين هيكل، أكبر وأشهر من التعريف,الثاني صبيتي الصغيرة نور ذات الـ11 سنة. تلميذة في الصف التكميلي الأول وجاءتني مساء ذلك اليوم، تطلب ان أساعدها في الموضوع فسألتها، ماذا تعرفين عن الأستاذ

سبعون سنة فقط، فرق السن بين المُحاور والمُحاوِر.
الأول محمد حسنين هيكل، أكبر وأشهر من التعريف,
الثاني صبيتي الصغيرة نور ذات الـ11 سنة. تلميذة في الصف التكميلي الأول
 وجاءتني مساء ذلك اليوم، تطلب ان أساعدها في الموضوع فسألتها، ماذا تعرفين عن الأستاذ هيكل يا نور؟
قالت: بابا، ألم يزر لبنان وزوجته تانت هدايات، ألم يزرنا في البيت مرات، ألم نذهب إليه في مزرعته ببرقاش وفي مضيفه في الغردقة، ألم يمسك يدي برفقة كلبه الأسود فارس، الا تملأ كتبه وصوره منزلنا.. قلت: بلى.
حكيت له قصة نور ومعلمتها ورغبتها أن تكسر قاعدة قراره بالابتعاد عن الأحاديث والكتابة الدورية، فأراني برنامج مواعيده وعليه 12 طلب حديث تلفزيوني وصحافي من جميع أنحاء العالم وحتى من اليابان.. فقلت أعرف ولكن الاستثناء لا يكسر القاعدة ولا أعتقد أن هناك طلباً من طفلة أخرى.
فقال هات نور لنتعلم منها كيف يفكر الجيل الجديد. وهكذا ذهبنا، قبل أن يغادر إلى الصين والهند.
أشعل سيكاره، بعد انقطاع سنوات عن التدخين وبدأ يخفف من روع نور، ثم بدأ الحديث. لقد كان حالة نادرة من الأبوة والتباسط والتحمل والحب، وبصورة لم أعرفها فيه من قبل. فقد عرفته طويلاً، دقيقاً وصارماً ومعلماً وحاداً في تعامله مع الآخرين من الصحافيين، إلا أنه مع نور، كان إنساناً حاراً، تحمَّل منها مقاطعاتها وأسئلتها وعقوبتها التي جاءت كالتالي:
هل تمنيت مهنة أخرى غير الصحافة؟
 كلا، إنما عندما كنت صغيراً، أصغر منك، كنت أتصور التي أرغب أن أصبح طبيباً.
لماذا لم تنصح أحد أولادك ان يكون صحافياً؟
 أنا قصدت إبعادهم عن الصحافة، واستعملت كل وسيلة أستطيع إبعادهم عنها، لأنني شايف باكراً الصحافة في العالم الثالث داخلة في أجواء خشنة جداً بسبب طبيعة السلطة في العالم العربي.
كنت عايز أن يبتعد أولادي عن المهنة آخذاً في عين الاعتبار أني في عملي الصحافي جربت تجربة الحرب. وهي تجربة ليست سهلة أبداً وجربت تجربة السجن وهي تجربة مقرفة بالتأكيد. الصحافي في عمله يجرب كل أنواع المعاناة، فالصحافة هي سجل يومي للحياة.أنت تفخر بأنك دخلت السجن بسبب الصحافة؟
 طبعاً، أنا دخلت السجن بسبب الصحافة، عمري ما هرَّبت حشيش مثلاً (يضحك هنا) .
دخلت السجن بسبب معارضتي لكمب دايفيد، بسبب كتاب اسمه «حديث المبادرة» وغيره.. السجن فيه خبرة.. أنا قبل دخولي السجن كنت صحافياً مش بطال وكنت وزيراً، وكنت أقرب الناس لجمال عبد الناصر وبعدها فجأة ندخل السجن فنرى قاع المجتمع. فأنت ترين قمة المجتمع في الصحافة، ثم فجأة تدخلين قاع المجتمع.
 ما هي المنجزات الصحافية التي قمت بها على كافة الصعد؟
 أنا أعتقد أن الـ11 كتاباً بالإنكليزية والـ70 كتاباً بالعربية هي أهم ملامح حياتي العملية، 11 كتاباً في السوق العالمي وعندي كتب ترجمت لـ33 لغة في العالم وآلاف المقالات.
سئل الكثيرون عن لبنان، فقالوا إنه بلدهم الثاني فما رأيك أنت بلبنان؟ ما هي أهمية ودور لبنان في العالم العربي؟
 لبنان بلد مهم جداً باعتقادي، ثقافياً، وحضارياً بالضرورة. وأنا اتصوّر ان لبنان، يراه اللبنانيون بلداً مهماً. فكل بلد في الدنيا يؤدي وظيفة ودوراً. والغلط الأساسي الذي أدى إلى الحرب اللبنانية الكارثة باعتقادي هو الخطأ في تحديد دور لبنان. لبنان ليس قوة. لبنان دور ووظيفة.
 من خبرتك الكبيرة في الحياة. ماذا تنصحنا أن ندرس لنساعد بلادنا؟
 أول حاجة من خبرتي، ألا أنصح أحداً. لأنه عيب أن رجلاً مثلي عنده 80 عاماً أنصح ناساً عندهم 11 سنة.
أنا سأتكلم بقيم عصر، عصر ينتهي، وأنتم ستتكلمون بقيم عصر وضرورات عصر آخر ولا بد من أن تكتشفوها أنتم بأنفسكم لكن المهم أن يبطّل الجيل القديم الوصاية على جيلكم ولا ينصحكم.
ليأخذ جيلنا نصائحه في جيبه، أو يبلعها أو يضعها في حقائبه. لا تعيشوا عصرنا، عيشوا عصركم، وشوفوا أحواله وقيمه وظروفه، لأنه هو الذي ستعيشون فيه.
لو أنا قلت لك رأيي وقيمي وشعوري وتصوراتي أكون أكلمك عن عصري أنا. وهذا لا ينفع.
لا تأخذي نصائح أحد، كل النصائح مغلوطة.
(مقتطفات من حوار نشر في صحيفة «الخليج» ٢٠٠٤)

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

تناقص التواجد الهندوسي في بنغلاديش وباكستان

تناقص التواجد الهندوسي في بنغلاديش وباكستان

ترجمة/ عدنان علي أشارت تقارير الى تلاشي تواجد الهندوس في بنغلاديش بعد ان كانوا متواجدين فيها على مدى أجيال تتردد أصواتهم في معابد ومشاركاتهم في مهرجانات ضخمة. هذا هو الواقع المأساوي للهندوس في بنغلاديش....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram