الجزء الأول
هاهو يوم الحب يذهب بعيداً وينقضي وتبقى ذكراه لامعة بين محبي الحياة ومصاحبة لخطواتهم دائماً. لا محبة بدون خير ولا خير بدون جمال يملأ القلب والروح معاً ويحيلهما الى كتلة من ضوء تنير الطريق لصاحبها وتمنحه الطمأنينة والمصالحة مع الذات. أردت اليوم أن أتحدث عن بعض رسامي الحب الذين ملأوا حياتنا بعاطفة ألوانهم وجمال الأشكال التي رسموها وبقيت خالدة على قماشات الرسم. لكن الحيرة هي كيف لعمود صغير بهذا الحجم أن يتناول موضوعاً كبيراً كهذا؟ كيف لي أن ألمَّ شتات موضوع مترامي الأطراف وأجمعه هنا بعدد قليل من الكلمات؟ في الحقيقة أن كل الرسامين قد رسموا جانباً من المحبة في أعمالهم، لأنك بدون عاطفة حقيقية لايمكنك أن ترسم شيئاً، العاطفة هي المحرك الأول للرسم منذ رسامي الكهوف وحتى آخر رسام شاب يبحث عن فرصة لعرض أعماله. العاطفة هي التي تقودنا الى خلق هذه الأشكال والألوان والخطوط، كُلٌّ بطريقته الخاصة، وحسب تقنيات وخبرة وتعامل الفنان مع المواد التي ينفذ بها عمله الفني. لكن رغم أن العاطفة موزعة على سطوح كل الأعمال الفنية تقريباً، فهناك أعمال وفنانون مفضلون عند بعض الناس دون غيرهم، وهنا أود أن أتحدث عن بعض الرسامين الذين بهرتني قوة عاطفتهم ومازالت تبهرني كل يوم، الفنانين الذين أضاءوا مصابيح عديدة أمامي كي يكشفوا لي الطريق الذي يؤدي الى نفسي. كيف لي أن أتغافل عمن فتح لي هذا الباب الواسع في الفن بكل محبة؟ كيف لا أشير الى من اعطاني منديلاً أدفئ به روحي؟ نعم هناك رسامون يمنحونني سعادة برؤية أعمالهم مثل غوستاف كليمت (1862-1918) ونسائه اللواتي جئن من عالم بعيد وغامض وجميل، هذا الرسام يمنحني طاقة عجيبة للاستمتاع بأعماله لما يحمله من تقنيات فريدة في الرسم، ولطاقته على ابتكار مناخات أقل مايقال عنها، أنها ساحرة، هو الذي جمع المهارة مع القوة، الهيبة مع السحر، جمال الموديلات مع تكوينات جديدة ومبتكرة لاخراج العمل الفني، والنتيجة كانت هذه الأيقونات الفريدة التي نشاهدها اليوم تملأ متاحف الفن وتحيطها نظرات الناس من كل جانب وبما تستحقه من عظمة وتقدير. وهناك الرسام البريطاني جون ووتر هاوس (1849-1917) وموديلاته الشبيهات بحوريات جئن تواً من جنة بعيدة لا يعرفها أحد، هذا الرسام الذي جعل من نسائه أسطورة يتغنى بها تاريخ الفن الى الأبد، كان بارعاً في رسم فتياته بين الحقول وعلى ضفاف بحيرات مليئة بالسحر، فتياته التي حولهن في أعمال كثيرة الى حوريات بحر غاية في الجمال والفتنة والغموض، وحتى حين رسم بعض شخصيات شكسبير النسائية مثل أوفيليا فقد رسمها كما يراها هو وليس كما كتب عنها شكسبير. وحين جاءت السينما بعده بسنوات عديدة أدخل المخرجون الكثير من تفاصيل لوحاته ومناخاته وأزيائه في أفلامهم التاريخية. كانت لوحته التي تظهر فيها أمرأة تشم زهرة قرب سياج الحديقة، لا تشعرني فقط بِشَم شذى تلك الزهرة، بل كنت أشم معها عطر تلك المرأة الجميلة أيضاً، كانت واحدة من لوحاته العظيمة، ولم أستغرب حين وضعها متحف خروننغن كأفيش ودعاية لمعرضه الكبير الذي شاهدته عدة مرات. لكن وسط ذلك هل يمكنني أن أنسى أوغست رينوار ( 1841-1919) وفتياته الباريسيات بأجسادهن البضَّة ووجوههن الشفافة التي تعلوها حمرة مغرية مع أيماءات تشير الى شغف كامل بمباهج الحياة، هذا الفنان العبقري الذي رفع الانطباعية الى أعلى مستوياتها حيث جعل النساء موضوعه الرئيسي بينما الطبيعة عنده في الغالب لاستكمال المشهد، هكذا حوَّلَ بقع الضوء من الأشجار وأرضيات الحدائق والحقول ليجعلها تحط على وجوه النساء مثل فراشات ملونة، ليثبت أن الفن ليس ابتكار أشكال جديدة فقط، بل ابتكار ضوء جديد وعاطفة جديدة.
العاطفة باعتبارها فناً
[post-views]
نشر في: 19 فبراير, 2016: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...