في محل للكماليات ، طلبت المرأة الأربعينية من البائع مستحضراً يُعيد إليها شباب عينيها المتغضنتين الى حدٍ ما ..ولما طرح البائع خياراته امامها قالت له بصوت متهدج من الفرح : " سنعود الى مدينتنا " واردفت " أريد ان أبدو أكثر شباباً ..أشعر ان الفترة الماضية منحتنا سنواتٍ إضافية وشيخوخة مبكرة "...لم يكن البائع متفرغاً لها فقط ولم يهمه ان يسألها كيف ستعودون ومتى؟ فليس من شأنه الحديث عن ذلك لكني شعرت من اختلاج صوتها انها تريد ان تخبر الجميع بأنهم عائدون الى الديار ....كانت تلك المرأة من مدينة الرمادي ..سألتها إن كان منزلها سليماً فقالت انه ككل البيوت الأخرى إذ طالهُ الدمارُ وغابت الخدمات عن منطقتهم لكنهم سيعودون ..يجب ان يعودوا !!
ربما لا يؤيد بعض النازحين ما قالته المرأة، فقد غابت لديهم الثقة بعودة آمنة ومستقرة، فبعضهم يرى أن على رجال السياسة في تلك المناطق ان يسبقوهم إليها وان يعملوا بجد لإعادة إعمارها وإنعاشها وحين يوقن الأهالي أن منازلهم خالية من التفخيخ ومناطقهم آمنة وليس هناك خلافات سياسية او عشائرية على مَن سيفوز بكعكة إعمار المدينة او إدارتها ربما يمكنهم وقتها استعادة بعض الثقة بمن كانوا سبباً في ضياع مدينتهم والمدن الأخرى ...اما سياسيو المدن المنكوبة فهناك من يشعر منهم بالاحراج والقلق لرغبتهم في استعادة ثقة الاهالي بهم في الوقت الذي يدركون جيداً ان الحكومة لن تلبي مطالبهم كافة لإعادة إعمار المدن وتنظيفها من العبوات وتوفير الخدمات بسبب الازمة المالية وسياسة التقشف وبالتالي فلن يحققوا مايريده النازحون وسيكون امام النازحين أحد خيارين ..اما العودة الى ديارهم المدمرة وتقبل الأمر على علاته او تحمل انتظار قد يطول لحين تتوفر النية الصادقة والامكانيات المتاحة لدى الحكومة لتأهيل تلك المدن وإعادة سكانها اليها ...
وحين يمر بهم عيدٌ دون طقوسهم المعهودة او يولد لديهم طفل في مسقط رأس آخر او يتزوج شاب بعيدا عن حلقات ( الجوبي ) او يموت شيخ بعيدا عن دياره سيظل النازحون يتطلعون الى من سيتولى ملفهم باخلاص..الى من لا يستغل أزمتهم لتحقيق مصالح شخصية او مطامح سياسية وسيكون عليهم ان يقولوا لشيوخهم ورجال الدين ورجال السياسة في مدنهم .." كونوا معنا ...لقد ساعدتم في بيعنا فأعيدوا إلينا حياتنا "... اما تحرير بقية المدن والأقضية فسيُنتظر من الحكومة نوايا صادقة ايضا بخلق تعاون حقيقي بين الجيش والحشد العشائري مع حث التحالف الدولي على توفير اسناد كامل برغم أننا ندرك جميعا ان العدالة الغربية تقف دائما الى جانب الدول الضعيفة ....بشرط أن يكون لديها ما يكفي من النفط !
كونوا معهم!
[post-views]
نشر في: 19 فبراير, 2016: 09:01 م