في الدول الديمقراطية جميعاً لا يستطيع رئيس الوزراء، أو الرئيس في النظام الرئاسي، أن يفعل شيئاً، مهما كان صغير الشأن، من دون تفويض من البرلمان. والتفويض معناه وقوف أغلبية أعضاء البرلمان إلى جانب ما يتخذه أو يقترحه رئيس الحكومة أو رئيس البلاد من قرارات وسياسات.
الطلب الذي تقدّم به رئيس الوزراء حيدر العبادي إلى مجلس النواب أول من أمس هو من البديهيات، فالعبادي تعهّد للشعب في الصيف الماضي بإجراء تغييرات جوهرية في نظام الحكم، سارع مجلس النواب في إعلان التأييد لها والمزايدة على رئيس الوزراء نفسه فيها. هذا كله جاء بعدما نزل الشعب إلى الشوارع والساحات مطالباً بالتغيير، وبالذات إنهاء نظام المحاصصة الكامن وراء الفساد الإداري والمالي الذي كان بدوره وراء ما تشهده دولتنا من انهيار مالي وخراب اقتصادي واجتماعي. وكان (الفساد) أيضاً بالإضافة إلى ذلك السبب الرئيس في نجاح تنظيم داعش الإرهابي في احتلال ثلث مساحة البلاد ... وفي هذا فتّش عن نظام المحاصصة كذلك، حيث لم يجد داعش قوات جيش وشرطة تقف في وجهه، فالمؤسسة العسكرية والأمنية كان قد نخرها الفساد وعدم المهنية وضعف الوطنية من الداخل في عهد الحكومتين السابقتين.
من دون تفويض من البرلمان لا يمكن للعبادي أو سواه إجراء التغيير. ومن المفروض أن يكون التفويض كاملاً وحقيقياً، وليس شكلياً كالتأييد الذي أعلنه ثم تراجع عنه مجلس النواب لمشروع العبادي الإصلاحي في الصيف الماضي، فالنظام الذي يتعيّن على العبادي تغييره هو نظام غير شرعي .. المحاصصة لم ينصّ عليها الدستور .. إنها نظام بديل عن النظام الديمقراطي الذي قضت به أحكام الدستور.. هذا النظام البديل توافقت عليه القوى السياسية المتنفذة بالتعاون مع إدارة الاحتلال الاميركي، بوصفه نظاماً يضمن مصالحها وليس مصالح المجتمع، وهي لهذا السبب تتمسّك به إلى اليوم وتقاوم أي مسعى لتغييره.
ومن الأهمية بمكان الالتفات إلى أن التغيير المطلوب لا ينحصر في تبديل الوزراء الحاليين وإحلال وزراء تكنوقراط محلهم يختارهم رئيس الوزراء بنفسه .. الدولة لا يديرها الوزراء .. وكلاء الوزارات ورؤساء المؤسسات والمدراء العامون وأمثالهم هم الذين يُسيّرون أمور الدولة والمجتمع، وهؤلاء هم أيضاً يجب أن يكونوا جزءاً من عملية التغيير والإصلاح.
إذا ما نجح رئيس الوزراء في انتزاع التفويض من مجلس النواب لتعيين الوزراء (التكنوقراط)، عليه أن يمنح الوزراء تفويضاً مماثلاً لإبدال وتدوير الوكلاء والمدراء ورؤساء المؤسسات المعينين جميعاً في مناصبهم على وفق نظام المحاصصة الذي يحكم عملهم جميعاً الآن مثلما يحكم عمل الوزراء ورئيسهم أيضاً.
التغيير الوزاري لا يكفي..
[post-views]
نشر في: 21 فبراير, 2016: 09:01 م