في واحدة من مهازل مدارسنا اليوم، أنها تتسبب في تخريب نفوس أبنائنا، وتعمل على تشويه أفكارهم، ذلك لأن بعض المعلمين في وزارة التربية والتعليم لا يحسنون التربية مطلقاً، وأصبح إبعادهم عن التعليم مهمة وطنية. أقول ذلك لأن المعلم، الاستاذ(....) في مدرسة(....) بالبصرة تسبب في إرهاب حفيدي مصطفى. فالأستاذ الجهبذ يقول لطلاب الصف الثالث الابتدائي( الذي لا يصلي يلقيه الله في النار) منذ سنة تقريباً، ونحن في البيت نحاول أن نخفف في وقع جملة الاستاذ الموقر على نفس مصطفى، لكن دون جدوى. الشعور بالذنب والخوف من النار والبكاء والدموع التي ذرفها خائفا، مرعوبا، شكلت عندي وعند من معي في البيت معضلة لا حلَّ لها حتى الساعة هذه.
دخلتُ إدارة مدرسته واستقبلني المدير والمعلمون كأحسن استقبال، ولما اخفقنا في معالجة اوضاع مصطفى النفسية ورفضه الجلوس في الصف مع أقرانه، على الرغم من الترغيب الذي ابداه الجميع، اقترح السيد معاون المدرسة ان ألتقي معلم مادة التربية الاسلامية، صاحب الجملة، التي كانت السبب في تخريب عقل ونفس حفيدي، الذي قال لي بكل برود وتقليدية، حين التقيته: يا أخي، هكذا نعلم طلابنا، وضمن المنهج، وهي جملة نقولها لهم، ولا أرى ضيراً فيها. أغضبني والله، ولو كنت في مجلس غير إدارة المدرسة لأسمعته كلاماً لا يرضيه، لكنني قلت له: لو كنتُ في مقامك ما اسمعت طالباً واحداً جملتك الكريهة هذه!! ولكي يبرر لي ما ظنه صحيحاً، راح يعلمني بان ديننا يأمرنا بذلك، وكأنني لا أملك ديناً.
ترى، كيف تكون صناعة الإرهاب؟ وما ذنب حفيدي مصطفى، المتفوق والذكي والناجح، هذا الذي استشعر النار في جسده باكرا، وهو بعمر التسع سنوات، وما الذي أعمله له لكي أقنعه بأن ما قاله الاستاذ له ليس صحيحاً. بدت حيرة معلم التربية الاسلامية واضحة حين لم يجد حيلة في ايقاف نهر الدموع المنهمر من عينيه، وكذلك كانت حيرة مدير المدرسة والمعاون والمعلمين وانا. لم نبق على وسيلة واحدة من أجل أن نجلس مصطفى على رحلته إلا وجربناها، لكن دونما نتيجة تذكر، صارت النار صورة مشتركة عنده في وجهه المعلم، ما عاد يفرق بين النار التي ستلتهمه وبين جملة المعلم. لليوم الثاني ومصطفى يرفض الذهاب الى المدرسة، فهو يقول: بأنه سيلقى في النار إن كذّب، هذه الجملة سمعها من أحد الطلاب. الآن، هو لا يكذب، لكنه يبكي وينشج إن طلب منه احد اخوته سلعة ما ورفض، هو لا يريد أن يسلبه أحدٌ شيئاً من حاجاته، لكنهم يقولون له إن لم تعطنا هذه سيلقيك الله بالنار، لذا يظل حيراناً بين أن يعطي ما يحب ويحرص على اقتنائه، وبين النار التي سيلقى فيها إن لم يعط !!
نحن في البيت أعيتنا السبل، فمصطفى قليل الكلام، لكنني استشعر ذكاءه وفطنته وحيرته أيضاً. عدتُ وإياه قافلاً الى البيت، يقول بانه لن يذهب للمدرسة بعد اليوم، هناك رعب تملكه تماماً، لديه شعور عميق بالذنب، لم يعد الله عنده عنواناً للأبوّة والأمومة أو للصداقة والحنو، هو مرعوب من جبروته وغضبه، هو صورة المعلم في ناره، وهي تلاحقه في كل حركة منه، يزيده أن الطلاب في الصف يضحكون من امره، يسخرون من سلوكه. أنا لا ألقي باللائمة كلها على معلم التربية الاسلامية، صاحب الجملة الشهيرة(الذي لا يصلي يلقيه الله في النار) إنما، أتحدث عن واقع التعليم الذي أصبح بلا تربية، وبلا تهذيب، ترى، وبلا وعي وفكر وتدبر. هل يجدر بنا ان نُسمعَ طفلا بعمر مصطفى مثل الجملة هذه؟ أنا، وعلى الرغم من شعوري وإحساسي بصعوبة تطبيب نفسية حفيدي. -سأكون مضطرا لعرضه على طبيب مختص- لكنني أعتقد بان مناهجنا مع الكثير من المعلمين في مدارسنا، من الذين يتسلمون مفاتيح الدين من أفواه الروزخونية بحاجة الى مراجعة وإعادة تأهيل، وعرض على أطباء مختصين أيضاً، من اجل أن لا تتكرر حادثة حفيدي مصطفى مع طالب آخر.
جهنم التي أحرقت حفيدي مصطفى باكراً
[post-views]
نشر في: 23 فبراير, 2016: 09:01 م