مُنذ أن سقط الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في قبضة العدالة بعد توّرط رؤوس كبيرة في مكتبه التنفيذي وبعض موظفيه بلغ عددهم 39 مُتهماً ومُعتقلاً في 27 أيار 2015 حتى الآن بقضايا فساد عرّت إدعاءات الرجل العجوز جوزيف بلاتر الذي ظل يتفاخر بأن مؤسسته نزيهة وتحكمها الشفافية، لم يستطع الرئيس المؤقت الأفريقي عيسى حياتو وزملاؤه الذين تسنموا القيادة بعد فضيحة 27 أيار الماضي تمهيداً لإجراء الانتخابات غداً الجمعة من فرض انطباعات جديدة بشأن دخول (فيفا) مرحلة تنقية خالية من المداهنات والاتفاقات والتلميحات ذات العلاقة بشراء الذمم لاسيما في قضية كبيرة لانتخاب رئيس جديد ينتشل الكرة العالمية من مخالب المفسدين.
وما طالب به رئيس الاتحاد الأردني علي بن الحسين بإجراء التصويت في مكان شفاف باستطاعة الجميع مشاهدة الناخب وهو يُدلي بصوته من دون أن يضطر الى تصوير ورقته عبر الموبايل نراه طلباً شرعياً وواقعياً يُخلّص (فيفا) من وجع الرأس بخصوص الاتهامات التي ستطوله بعد ذلك ، ثم أن طلبه هذا يمنع الناخب من تقديم صورة ورقته دليلاً الى مُرشحه بعدما تكررت في انتخابات سابقة بحسب الاتفاق بين الطرفين وما يترتب على ذلك من مصالح متبادلة.
والغريب ، بدلاً من أن تعضّد لجنة الانتخابات المسمّاة من الاتحاد الدولي طلب ابن الحسين وتُسارِع لتهيئة كل مستلزمات تنفيذه طالما أنه يخدم شفافية التصويت ويحرص على سلامة الاجراءات المتبعة فيه، رفضت اللجنة طلبه ولم توضح اسباب ذلك، ما دعاه الى مخاطبة المحكمة الرياضية الدولية للبت به وهي بدورها أقتنعت بموجبات الطلب وستعلن عن النتيجة لاحقاً. وفي الوقت نفسه أثار الموضوع اهتمام المراقبين لاسيما أن فكرة ابن الحسين منطقية وتجعل تحركات الجميع مرصودة ولا يمكن القيام بأي عمل يخلُّ بشرعية الانتخابات.
الحالة الثانية التي تدخل في سياق الإغراء بالمال بطريقة (الفساد المشرعَن) الذي لا يحتمل أي تفسير آخر، هو تصريح المرشح السويسري جاني انفانتينو - صاحب الحظ الأوفر بخلافة مواطنه جوزيف بلاتر- بمنح كل اتحاد وطني مبلغ 5 ملايين دولار للسنين الأربع المقبلة في حالة فوزه بالانتخابات، لا أدري كيف يمر هكذا تصريح أمام لجنة الانتخابات من دون أن توجّه له تنبّيهاً بسحب تصريحه بغية عدم التأثير على خيارات الناخبين لاسيما أن ميزانية الاتحاد الدولي مُهددة بأزمة كبيرة وفق آخر ختام حسابي لولاية بلاتر المعاقب بالايقاف ثماني سنوات.
آخر ما أثار قلق المتابعين ليوم (فيفا) التاريخي الجمعة أن لجنة الانتخابات سمّت عدداً مضاعفاً من مراقبين عاملين في الاتحاد الأوروبي الداعم أصلاً لترشيح أمينه العام السويسري انفانتينو مقابل عدد أقل من مراقبين آسيويين وربما عدد محدود لبقية القارات، وهو أمر لا يمكن قبوله أو السكوت عليه لعدم توفر التوازنات في حصص المراقبين والخشية من تأثيرهم على أجواء الانتخابات ولم توضح اللجنة وفق أية معايير سمحت بتواجد غالبية المراقبين من الجنسية الأوروبية وهي تعلم الحساسية الكبيرة التي يعانيها المؤتمر الانتخابي؟!
ما يهمنا أن يكون الصوت العراقي صائباً في خياره لمصلحة المرشح الأردني علي بن الحسين وستتجلى الرؤية بعد انتهاء الانتخابات التي نتمنى له ولأخيه البحريني سلمان بن ابراهيم التوفيق في منافسة المرشحين الثلاثة الآخرين ويحصدان ثمار تحركاتهما في الفترة الأخيرة ما لم يُصدما بانسحاب المرشحين الفرنسي جيروم شامبانيي والأفريقي طوكيو سيكسويل لمصلحة انفانتينو كما يتناقل في كواليس زيورخ اليوم وستكون ضربة موجعة لكنها ليست مفاجئة، وفي جميع الأحوال نأمل أن تمضي عملية التصويت بنزاهة تامة لانتخاب رئيس قوي يتعهد بتبييض سمعة (فيفا) بالأفعال وليس بالأموال وهي مسؤولية كبيرة تحتم مساندة الدول 209 له لانقاذ اللعبة من مخلفات حقبة بلاتر الذي لم يتكشف ملفه الأسود بعد مثلما يتسرّب من اشارات في الصحافة العالمية ، لكن يكفي أنه قاد (فيفا) بشفافية مزيّفة !
شفافية فيفا .. مزيّفة !
[post-views]
نشر في: 24 فبراير, 2016: 05:36 م