مقتدى الصدر اليوم، كما تبّدى في ظهوره في ساحة التحرير ببغداد أمس، وفي ما أفصح عنه في خطابه، هو غير مقتدى الصدر قبل عشر سنوات. هذه تُحسب له وليس عليه، فمن طبيعة الأشياء، بما فيها البشر ومواقفهم، أن تتغير سنة بعد أخرى وعقداً بعد عقد، وألا تبقى على حالها. ما يبقى على حاله لا حياة فيه.
مقتدى الصدر يتبدّى الآن، ليس فقط في خطاباته بل أيضاً في مواقفه العملية، أكثر وطنية من غيره من زعماء الإسلام السياسي، الشيعة أولاً والسنّة أيضاً. قبل عشر سنوات كان يبدو أن شيعيته تتقدم على عراقيته ومذهبيته على وطنيته، لكنه الآن يركّز على العراقية إلى حدّ التأكيد لأنصاره على أنه "لا فرق بين عراقي إسلامي وبين عراقي مدني، ولا فرق بين شيعي وسنّي"، وأنّ "الكل معني بهذا البلد الجريح الذي قضمته أفكاك الفاسدين وهضمته فكوك المتسلّطين".
من أسباب "التحديث" الحميد في صورة مقتدى الصدر أنه احتفظ لنفسه بأن ينأى بها عن السلطة ومفاسدها، فيما أقرانه، شيعة وسنّة، لم يترددوا في اللهاث خلف المناصب والكراسي والتقاتل عليها، وحتى في الغوص عميقاً في مستنقع الفساد الإداري والمالي الآسن، مع أنّ بعض ممثلي تياره في الحكومة والبرلمان لم يتورعوا عن الخوض في هذا المستنقع.
أنصار مقتدى الصدر ملأوا قلب بغداد أمس .. من دون شك، لن يستطيع أيّ زعيم غيره من زعماء الإسلام السياسي، الشيعي والسنّي، أن يحشّد حوله مثل هذا العدد الكبير الذي تميّز أيضاً بالانضباط. الزعماء الآخرون يمكنهم فقط أن يُخرِجوا بضع مئات من الشقاة للتشويش على حركة التظاهرات ومحاولة كسرها وإنهائها، كما فعل أنصارٌ لرئيس الوزراء السابق نوري المالكي، قبل خمس سنوات وفي مناسبات لاحقة، عندما نزلوا الى ساحة التحرير في بغداد وسواها بـ"التواثي" (العصي الغليظة) لتفريق المتظاهرين ومنعهم من المطالبة بمحاسبة الفاسدين والمفسدين وتأمين الخدمات العامة للناس وإصلاح العملية السياسية.
ابتعاد مقتدى الصدر عن السلطة وكراسيها أبقاه قريباً من نبض أنصاره، الذي هو نبض الفئات والطبقات المهمّشة والمسحوقة في المجتمع الشيعي، خصوصاً، بخلاف الآخرين الذين ترفّعوا على الناس وفضّلوا أن يعيشوا "خلف الجدران"، بحسب تعبير الصدر أمس.
خصوم الصدر ومنافسوه في إطار التحالف الوطني (الشيعي)، ظلّوا دائماً يراهنون على قدرتهم المستندة إلى الثروات الكبيرة المنهوبة من المال العام والخاص وإلى قوة ميليشياتهم، على سحب البساط من تحت أقدام الصدر وقصقصة أجنحته، لكنّ تظاهرة أمس أثبتت أنهم لم يفلحوا في ذلك حتى الآن في الأقل.
الصورة المحدَّثة لمقتدى الصدر التي تبدّت أمس، ستعطيه وتياره زخماً أكبر، لأنه ظهر هذه المرة مرتدياً العلَم العراقي بكامل ألوانه ... والعراقيون يحبّون عِراقهم، برغم محنتهم الطاحنة المتفاقمة فيه.
صورة الصدر "المُحدَّثة"
[post-views]
نشر في: 26 فبراير, 2016: 05:40 م
جميع التعليقات 3
خليلو...
بين عبدالرحمن بدوي في شخصياته القلقة وبين هادي العلوي في شخصياته غير القلقة في الاسلام ستظل رهاناتنا السياسية في تاريخنا المعاصر .وعسى ان يؤول التغير الى ما فيه خير هذا البلد الذي تعددت رهاناته دائما وكثيرا كانت مآلات تلك الرهانات الى خيبات وفي تاريخنا لم
ِAbboud
الأستاذ عدنان حسين هل يعني هذا المقال هو دعوة لتحالف قوى التيار المدني وما يمثله هذا التيار مع قوى من الأسلام السياسي ممثله بمقتدى الصدر...الواضح من خلال عمودك ان مقتدى الصدر بدأ يتطور بشكل مقنع ليكون حليف قادم بعد ان تخلى عن طائفيته وفساد وزراءه؟؟؟
ابن القادسيه
هل بقي في العراق شيئا لكي يبكي عليه الاستاذ مقتدى الصدر ، كلهم شركاء في قتل العراق فالمشاركون في العمليه السياسيه من احزاب واعضاء برلمان ووزراء ورؤساء وزاره هم من ذبحوا العراق وكذلك الصامتون على هذه المهزله هم من وقفوا وراء الباب يسمعون فض بكارة ابنتهم