TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العبادي الخبير العليم

العبادي الخبير العليم

نشر في: 27 فبراير, 2016: 09:01 م

ما قاله رئيس الوزراء أمس هو من نوع: "وشهد شاهد من أهلها"، فهو شخصياً حتى قبل أن يُرسَّم رئيساً للحكومة بفترة طويلة، من الحلقة الداخلية للطبقة الحاكمة، وحزبه (الدعوة الإسلامية) وكتلته (دولة القانون) من مهندسي العملية السياسية القائمة ومن القيّمين عليها المتمسكين بها، ربما حتى الموت.
السيد العبادى أعلنها على رؤوس الأشهاد في مفتتح المؤتمر الخاص بالمصالحة المجتمعية قائلاً: "لا توجد كتلة سياسية تعترف بأنها مسؤولة عن الفساد في البلد، فالكل يتبرأ ويعيّنون وزراءهم ويفرضونهم على رئيس الوزراء ومن ثم يتبرأون منهم"، ومضيفاً  أن "الكتل السياسية مازالت متمسكة بوزرائها وبهذا العمل لا نستطيع ان نصلح البلاد".
نحن جميعاً نعرف أن الأحزاب المتنفذة في السلطة كلها فاسدة، لأن كبار الفاسدين، وبينهم الذين أحالتهم هيئة النزاهة الى القضاء الاسبوع الماضي وفي السابق ايضاً، هم من وزراء ونواب وقيادات هذه الاحزاب، فليس ثمة وزراء ونواب متنفذون ووكلاء وزارات ورؤساء مؤسسات وهيئات ومدراء عامون لم تعيّنهم هذه الاحزاب بوصفهم "رجالها"، ونساءها أيضاً. وهذه الاحزاب هي التي تقف بثبات ضد إلغاء نظام المحاصصة، المنبع الرئيس للفساد، وهي التي لا تريد لتغيير جوهري في بنية الدولة القائمة وفي آليات عملها أن يحدث. والسبب في موقف هذه الأحزاب هو أن كل ما هو قائم وجار الآن يحقق لها ولقياداتها مصالحها الأنانية، بما فيها الثروات المالية. كل حزب، كما أشار رئيس الوزراء أمس، لديه لجنة اقتصادية. الوظيفة الوحيدة لهذه اللجنة هي إدارة عمليات الفساد الاداري والمالي التي ينفّذها وزراؤها ونوابها وسائر كبار المسؤولين الذين تعيّنهم هذه الاحزاب، وتأمين الأموال المتحصلة من هذه العمليات القذرة.
 كل الكلام المطالب بالإصلاح والمناصر للتغيير، المتدفق من أفواه قادة الأحزاب المتنفذة في الحكم، والإسلامية منها في المقام الاول، هو من قبيل ذر الرماد في العيون ومن قبيل الضحك على الذقون .. الإصلاح لا يكون إلا على أيدي الإصلاحيين، والتغيير لن يحدث إلا على أيدي المؤمنين به والعاملين له، وقيادات الأحزاب المتنفذة جميعاً ليست إصلاحية وليست راغبة في أي شكل من أشكال التغيير، لأنها لو كانت غير ذلك لبادرت الى إصلاح نفسها وتغيير نفسها من الداخل، وهذا ما شخّصه أيضاً رئيس الوزراء أمس عندما طالب هذه الأحزاب بإصلاح ذاتها أولاً، مؤكداً: " ليس من الممكن أن نصلح المجتمع والأحزاب غير صالحة، وليس ممكناً أن نعمّق مفهوم الديمقراطية والحرية في المجتمع وأحزابنا المتنفذة غير ديمقراطية ولا تملك الحرية في داخلها".
السيد العبادي جاء الى رئاسة الوزراء لأنه من الحلقة الضيقة للطبقة الحاكمة، وهو الأعرف بها وبعلاقاتها الداخلية والقوانين الناظمة لهذه العلاقات، وعليه فإن حديثه عنها وعن فسادها وعدم إصلاحها وعدم ديمقراطيتها، هو حديث الخبير العليم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. خليلو...

    إذا أراد أن يصلح فعليه أن يفعل كما تفعل الأفعى حين يحول عليها الحول : يخرج من جلده بعد أن يتخلص منه بالخروج منه حين ذاك يظهر للرائين بزي جديد ...بغير هذا كل حديث عن التغيير ليس سوى ثرثرة ....لأن كل معوقات التغيير موجودة داخل حزبه وتكتله المشؤوم والمسمى ب

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram