TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > صادق الصائغ.. فتى الفن العراقي

صادق الصائغ.. فتى الفن العراقي

نشر في: 29 فبراير, 2016: 09:01 م

يتواثب صادق الصائغ، منذ خمسينات قرننا المنصرم، في شارع الفن العراقي الحديث، بل في أزقته الخلفية أيضا، فتى مسكوناً بالجمال بكل ما تنطوي عليه الظاهرة الجمالية من عناصر المغامرة والحب والحريّة والخطورة. اشتغال في كل ما يمكن له تجريبه، وما لا يمكن، فهو أحد المؤسسين للحداثة العراقية، على غير صعيد: الشعر والصحافة والتمثيل والتلفزيون والرسم والخط، ولم يزل يطمح، فقد سمعته مرة يتحسر: آخ، لو تعلمت العزف على العود!!كم يداً لديك، وكم بصيرة لتستحوذ على فن العالم كله؟
الفتى الوسيم كان مغناطيساً ذهبياً لاستقطاب المتنافر وطرد المتشابه. صال وجال في الضوء والظلمة، ليوسع بؤرة الأول وليبدد كتلة الثانية، سواء في روحه أو روح بغداد. عاصر ثقافة العراق وفنه وصحافته، منذ الخمسينات، ليجيء حديثه شغوفاً ببغداد ورموزها وأحداثها، شاهداً على شخصياتها وتجاربها الناجحة والمبتورة، عبر ذاكرة لم تزل متوقدة، وهو يسرد حكايات المدينة بآمالها اليائسة وأحلامها المكسورة، لكن ما فاجأني، أخيراً، هو روح التفاؤل العجيب عندما أكد في حديثه: إن التغيير الجذري في العراق قادم لا محالة بعد أن بلغ الوطن عنق الزجاجة. وأكد الصائغ أن روح العراق الحية عصية على الموت، وأن أبناءه القادمين هم من يبتكرون أشكال الحرية الجديدة. أدهشني أبو جعفر بتمسكه بأمل كبير وإصرار على إرادة الحرية والمغامرة مثل طفل يلعب بالزجاج المكسور ليصنع كأس العذوبة.
ليلة دافئة مع صادق الذي كان في أكثر لحظاته دفئاً وأخوّة ورهاناً على المستقبل.صادق الصائغ كنز من معلومات استقاها من حياته الشخصية وتجربته الذاتية، ليكفل حديثه بمعاينات حية، عن شخصيات الوطن والمنفى، عبر مكابدات ومواجهات ومشتركات ومفترقات عاشها في قلب بغداد.. في قلب المنفى.في أتون اشتباكات الفن والشعر والكفاح تتعرض شخصية، مثل الصائغ، للنيران بنوعيها: نيران معادية/نيران صديقة.هذا أمر طبيعي في معترك السياسة والفن وتداخلهما في حياة، مثل حياتنا العراقية، لكن غير الطبيعي أن يحتفظ هذا الفنان بإيقاع المتأمل، وإن أتى ما أتى من ردود أفعال أو مشاغبات أو مشاحنات خلال العمل العام أو في العلاقات الشخصية.. كلنا نخرج عن سياقاتنا المفترضة في لحظة امتحان الأفكار أو حوار الأفكار أو جدل الروح والروح وسجال اللغة واللغة، على مدار اليوم أو الدهر كله.
نحن الذين:
".. نتقلّبُ
لا نعرفُ
أين مكانُ الألمِ الموجعِ
أو ماذا أفلتَ منا
ومتى نفلتُ من هذي الأشراك
ننظرُ في صمتٍ
ونتكُّ كساعاتٍ هرمةْ". (ديوانه "وطن للروح").
في الشعر؟
الصائغ شاعراً خرج مبكراً "عن الصدد" وديوانه الأول "نشيد الكركدن" (1979) شهادة شعرية على لغة جديدة، بل جريئة، واكتشاف علاقات لغوية داخل النص لم تكن معهودة.الاحتفاء بصادق الصائغ تجريد الواقع من قسوته ورقّته معاً، في اللاتوازن المريع للحياة.. بينما حيواتنا الشخصية هي مُلك كل منا، في الظلمة أو الضوء، فإن ما ينتج عنها: قصيدة، لوحة، أغنية، شتيمة أو فكاهة، هو حصة الآخرين الذين يمثلون الطرف الثاني من الحوارالمنتج وغير المنتج معاً.قال لي، في لقاء ما، ما معناه: صرت هذه الأيام ميالاً لاستئناف حياتي لغة وخطاباً وعاطفة وسلوكاً.. أفلتر خطواتي بما يجعل الدرب أسهل مسلكاً وأعمق تأملاً وأكثر تسامحاً.. الكثير من معاركي لم يكن لها لزوم، وصرت أنظر إلى العالم بمزيد من الحنان.
لا يفتقر صادق الصائغ، هذه الأيام، إلى الفن حاسةً تغذي جميع حواسه، إنما يحتاج فقط الطاقة التي يتطلبها الجسد، حيث عمل الفنان لا يختلف عن العمل العضلي الذي يكسر الظهر، مثل أي عتال مخلص وهو يحمل أثقال العالم على ظهره ويدور بها في اللامكان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

(المدى) تنشر نص قرارات مجلس الوزراء

لغياب البدلاء.. الحكم ينهي مباراة القاسم والكهرباء بعد 17 دقيقة من انطلاقها

العراق يعطل الدوام الرسمي يوم الخميس المقبل

البيئة: العراق يتحرك دولياً لتمويل مشاريع التصحر ومواجهة التغير المناخي

التخطيط: قبول 14 براءة اختراع خلال تشرين الثاني وفق معايير دولية

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

العمود الثامن: صنع في العراق

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

 علي حسين منذ أن اعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، والطاولات الشيعية والسنية تعقد وتنفض ليس باعتبارها اجتماعات لوضع تصور للسنوات الاربعة القادمة تغير في واقع المواطن العراقي، وإنما تقام بوصفها اجتماعات مغلقة لتقاسم...
علي حسين

إيران في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة

د. فالح الحمـــراني تمثل استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة، الصادرة في تشرين الثاني تحولاً جوهرياً عن السياسات السابقة لإدارتي ترامب وبايدن. فخلافاً للتركيز السابق على التنافس بين القوى العظمى، تتخذ الاستراتيجية الجديدة موقفاً أكثر...
د. فالح الحمراني

ماذا وراء الدعوة للشعوب الأوربية بالتأهب للحرب ؟!

د.كاظم المقدادي الحرب فعل عنفي بشري مُدان مهما كانت دوافعها، لأنها تجسد بالدرجة الأولى الخراب، والدمار،والقتل، والأعاقات البدنية، والترمل، والتيتم،والنزوح، وغيرها من الماَسي والفواجع. وتشمل الإدانة البادئ بالحرب والساعي لأدامة أمدها. وهذا ينطبق تماماً...
د. كاظم المقدادي

شرعية غائبة وتوازنات هشة.. قراءة نقدية في المشهد العراقي

محمد حسن الساعدي بعد إكتمال العملية الانتخابية الاخيرة والتي أجريت في الحادي عشر من الشهر الماضي والتي تكللت بمشاركة نوعية فاقت 56% واكتمال إعلان النتائج النهائية لها، بدأت مرحلة جديدة ويمكن القول انها حساسة...
محمد حسن الساعدي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram