TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > المصداقية في العرض المسرحي

المصداقية في العرض المسرحي

نشر في: 29 فبراير, 2016: 09:01 م

-2-
وعند التطرق الى الزي الذي يرتديه الممثل ، وهو عنصر آخر من عناصر العرض، فلا بد ان يكون طراز الزي مستعملاً في الحياة ولا بد ان يكون مناسباً للشخصية إلا اذا كان هناك مبرر لخلاف ذلك فليس من المعقول ان يرتدي استاذ جامعة (دشداشة) اللّهم إلا اذا كان هناك مبرر لهذا اللباس. وهنا يدخل مبدأ (الدقة التاريخية) في المسرحيات التي تتناول شخوصاً من الماضي ومن اماكن غير مكان المتفرج او اذا كانت المسرحية تتعرض لأحداث تاريخية، فلا بد عندئذٍ من ان يكون طراز الأزياء المسرحية مشابهاً لطراز الملابس في زمانها ومكانها وليس في زمان ومكان مؤلف النص او في زمان ومكان العرض، إلا اذا اراد المخرج ان يفرض رؤيته الخاصة المبررة.
وهناك عدد من المخرجين يستعملون ما يسمى (الازياء الوظيفية) وهي التي يؤدي الممثلون بواسطتها وظيفتهم من غير التزام بمبدأ المطابقة وهنا فأن التبرير الفني هو التجريد.
ويسري مبدأ (التجريد) على المنظر المسرحي ايضاً فهناك عدد من المخرجين لا يهتمون بان يكون المنظر ممثلاً لمكان وبيئة الاحداث المسرحية بعناصرها المختلفة، وبما فيها العناصر المعمارية ، او ان يمثل المنظر مجرد خلفية يمثل امامها الممثلون ادوارهم فلا يتعاملون مع مفردات هذه الخلفية وكأنها عناصر بيئية بل مجرد عناصر جمالية.
 يستطيع المخرج ان يجرّد المنظر المسرحي الواقعي من تفاصيله مبرراً ذلك فنياً ويستطيع المخرج في المسرحية التاريخية التي يخرجها ان يطلب من مصمم المنظر تحقيق الدقة التاريخية أي ان تكون معمارية المكان مطابقة لمعمارية مكان وزمان الأحداث المسرحية وليس معمارية زمان ومكان مؤلف المسرحية او معمارية زمان ومكان المصمم والمخرج، والمهم هنا ان يكون التجريد في المنظر مقنعاً للمتفرج.
ما نلاحظه هذه الأيام ان عدداً من المخرجين ليس في بلدنا وحسب بل في بلاد اخرى لا يهتمون بالصدقية ولا يلتزمون بمطابقة الشكل للمضمون، او تناسبها ولا يفكرون بالتبرير ويحملون العشوائية معتقدين وهماً بأن مخيلتهم قد قادتهم الى مثل تلك العشوائية، وان الفن لا منطق فيه وان وحدة العمل الفني مبدأ اكل الدهر عليه وشرب، وقد يكون ذلك صحيحاً لدى اصحاب التيارات غير الواقعية كالتعبيرية والسوريالية والتي يعتقد اصحابها ان الحقيقة كامنة في العقل الباطن وفي لا وعي الانسان وان المظهر الخارجي لا يمثل الا جزءاً صغيراً من الحقيقة، وبناءً عليه يبررون الاشكال الغريبة والظواهر المتناقضة التي يعتمدونها في مادتهم الفنية ومثل هذا التبرير الفني ليس الا انعكاساً للتبرير الحياتي فاللاوعي والصور الحلمية الغريب جزء من حياة الانسان وعالمه الداخلي.
نعم هناك عدد من الفنانين ومنهم المسرحيون يلجأون الى العشوائية والغموض والفوضى والتشظي كوسائل للتعبير الفني معتقدين انهم بذلك انما يعكسون واقع الحياة في هذا العصر الذي يخلو من المنطق والتبرير احياناً ولكنهم يفعلون ذلك عن خبرة ودراسة لا عن جهل وسذاجة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram