اللهم لا شماتة، لكننا نرى أن نهاية أحزاب الاسلام السياسي باتت وشيكة، إذ لم يعد حديث قادته عن إمكانية صلاح الشأن العراقي عبر قنواتهم بمقنع لأحد، ولا يفهم من ذلك على أنه التحامل والعدوانية والرفض. فقد أثبتت تجربة الـ 13 سنة الماضية فشل مشروعهم السياسي، وتأكد للمواطن البسيط قبل غيره، بأن مستقبل العراق بملايينه الأربعين رهين الدولة المدنية والحكم الوطني، الذي يضم الجميع تحت رايته، خارج الهوية العرقية والمذهبية والطائفية. والغريب في ذلك أن الأحزاب تلك باتت تقرُّ وتعترف بفشلها، وتعترف ضمناً بانها من تسبب بأنهار الدماء وخراب البُنى وسرقة أموال الشعب حتى ذهبت تفتش بين (خصومها) من الوطنيين والمدنيين العراقيين الخُلّص عن حكومة تكنوقراط، تقترحها كنموذج للحكم، وهذا ما كان واضحاً من خطبة السيد مقتدى الصدر الأخيرة.
ولكي نبيّن حقيقة ذلك، نقول: إن تمزيق الوطن عرقيا وطائفيا إنما تم بأيدي أحزاب الاسلام السياسي، وإن ضياع فرص التقدم وانهيار الاقتصاد ورهن مستقبل أجيال العراقيين القادمة بيد شركات النفط العالمية تم على أيديهم كذلك، وإن تشوّه صورة العراق، كأول دولة ذات بُعد حضاري في المنطقة، وتحوله من بلادٍ ذات إرث إنساني إلى بلادٍ طاردة للإنسانية، إنما تم على أيدي أحزاب الاسلام السياسي، بل تسببوا بما هو أبعد من ذلك، فقد أصبحت صورة الإسلام، بشقيه السُني والشيعي مشوّهة في الذهن الإنساني تماماً، وهي اليوم قرين العنف والقتل والنبذ والكراهية. ولا يعتقد الشيعي بان القاعدة وداعش وجيش النصرة هي التي نقلت الصورة هذه، أبداً. هما معاً، مَن تسبب بذلك، ومَن يعيش في وسط وجنوب العراق يشعر بضيق الحياة عليه، جراء تعسف السلطات المحلية الإسلامية ، وبحسب تقارير صحفية فإن نسبة المهاجرين من سكان مدن الوسط والجنوب لأوروبا هي النسبة الأعلى بين المهاجرين.
في واحدة من مآسي الفقراء، من أبناء الشيعة في العراق، أنهم خُدعوا من قبل ممثليهم في الحكومة، وأن مجانية دمهم وتعرضهم للإبادة من قبل القاعدة وداعش إنما تتم لأن الحكومة في بغداد هي حكومة شيعية، وهم بالضرورة ينتمون لها، بحسب تقدير التكفيريين، فيما تقول الحقائق بأن هؤلاء المساكين، إنما هم ضحية ولاء فطري، مكتسب بالانتماء، لا يد لهم فيه، هم ولدوا شيعة واكتسبوا الهوية هذه، بحكم وجودهم في المنقطة هذه وتلك. فهم ضحية ولاءات بدئية وتابعون لسياسيين شيعة، استثمروا ولاءهم المطلق لمصالحهم، لكنهم في الواقع لا يمثلون جوهر معاناتهم في العيش الكريم، وتطلعهم الى حياة آمنة، خالية من الموت، حافظة لأجسادهم ومُطمْئِنة لمستقبل أبنائهم. ولعل السؤال التقليدي يقول: تُرى، ما نوع الانتفاع الذي انتفعه أبناء الضواحي المسكينة في مدينة الصدر والشعلة وغيرهما من مدن الوسط والجنوب من (الحكومة الشيعية) هذه؟!
(الجيش والشرطة)لا غير، هما الوظيفتان الوحيدتان اللتان أتيحتا للسكان الشيعة، وكلا الوظيفتين تؤديان بصاحبهما الى الموت او العوق، بل سمعنا القصص الخرافية في طرق تعيين هؤلاء المساكين، فهم قلما ما يحصلون على الوظيفة بالطرق التقليدية، حيث، أن الكثير منهم كان مضطراً لدفع الرشا والاتاوات وبالدولار من أجل الحصول على وظيفته المميتة هذه. لذا فكل أفضال احزاب الاسلام السياسي على هؤلاء أنهم وجدوا فرصة عمل في أخطر وزارتين في العراق.
وعبر مسلسل القتل والخراب الذي تسببت به الاحزاب الاسلامية هذه للبلاد فقد دفع الجنود والشرطة الشيعة الغالي والثمين من دمائهم، وتطايرت جثثهم، صاعدة تشتكي خالقها في فضاءات البلاد الواسعة. ترى، هل نتحدث عن مستقبل لأبنائنا بعد مرحلة داعش، وقد باتت معالمهما واضحة للعيان، هل سينخدع أبناؤنا في الوسط والجنوب ثانية وثالثة ويمنحون أصواتهم لمن تسبب في قتلهم وخراب بلادهم بدعوى حماية العقيدة والمذهب والطائفة؟ أم أن ذلك سيكون من ماضي أيامهم، وقد قالوا ذلك في أكثر من مناسبة، بل قالها السيد مقتدى الصدر واضحة، بلا لبس.
العراقيون يودِّعون إسلامهم السياسي
[post-views]
نشر في: 1 مارس, 2016: 09:01 م