أمس سقطت كلُّ ذريعة، وانهار كل مسوّغ، وتهافتت كل حجّة لتبرير الإجراءات المشدّدة التي درجت السلطات الأمنية في بغداد على اتّخاذها كل يوم جمعة منذ سبعة أشهر، بإغلاق الطرق والجسور المؤدية الى ساحة التحرير، مكان التظاهرات الأسبوعية المطالبة بالإصلاح والتغيير.
أمس ثبتَ بالدليل القاطع أن المتظاهرين لا يشكّلون أي خطر على الأمن الوطني والاجتماعي والنظام العام، فقد تدفّق مئات الآلاف من المتظاهرين، معظمهم من الشباب، على منطقة كرادة مريم بالقرب من مبنى مجلس النواب ومن إحدى البوابات الرئيسة للمنطقة الخضراء... وصلوا مثل سيل إلى ساحة التحرير ومرّوا بساحة الخلاني في السنك، ثم عبروا جسر السنك وانتشروا في منطقة الصالحية وصولاً إلى بوابة مجلس النواب والمنطقة الخضراء ثم عادوا أدراجهم عبر الطرق نفسها مروراً بجسر الجمهورية الذي أحسنت القوات الأمنية صنعاً بفتحه أمام المتظاهرين العائدين إلى ساحة التحرير، وكان صنيعها سيكون أفضل لو أبقت عليه مفتوحاً كل الوقت.
كل ذلك جرى بسلاسة تامة وأمن وطيد .. لم يحصل أي حادث يخرق سلمية التظاهرة، فلا أحد تشاجر مع أحد ولا أحد تعدّى على رجل أمن، ولا أحد امتدت يده الى محل تجاري مفتوح أو مغلق، ولا أحد خرج على توجيهات اللجان المنظمة للتظاهرة.
من دون شك إن مما ساهم في تعزيز الاجواء السلمية للتظاهرة، الموقف المسؤول الذي اتخذته القوات الأمنية. هذه القوات تصرفت طوال الوقت بوصفها قوات لحماية المتظاهرين وضمان أمنهم .. كان كلّ فرد من أفرادها، كما كلّ متظاهر، يحمل العلم العراقي، مما عزّز الشعور لدى المتظاهرين بأن أفراد القوات الامنية إخوة لهم، حضروا الى المكان من أجل توفير الأمن لهم.
يفترض الآن أن تتخلص قيادة عمليات بغداد وقيادات العمليات في سائر المحافظات عن الوهم بأن المتظاهرين المطالبين بالإصلاح والتغيير ومكافحة الفساد الإداري والمالي وترقية مستوى الخدمات العامة يشكّلون خطراً محتملاً على الأمن والنظام العام، وأن تقتنع بأن التظاهر حق كفله الدستور في إطار حرية التعبير ولا ينبغي الانتقاص منه.
وقبل القيادات الأمنية، يتوجب الآن على مجلس النواب نفسه أن يكفّ عن الوهم نفسه، وأن يسارع إلى تشريع قانون الاجتماع والتظاهر السلمي بالصيغة التي لا تفرض قيوداً على حرية التظاهر، وبخاصة في ما يتعلق بطلب الترخيص قبل عدة أيام، فهذا الترخيص يُفرغ حرية التظاهر السلمي من مضمونها ويفرض قيوداً عليها.
أمس تصرّف المتظاهرون بمسؤولية عالية حيال كل شيء في الشوارع والساحات التي مرّوا بها وتجمّعوا فيها، وفي إساس هذا أن القوات الأمنية تعاملت بمسؤولية عالية هي الأخرى، من السماح للمتظاهرين بالوصول إلى بوابة المنطقة الخضراء، إلى التصرّف بما يُشعر المتظاهرين بأنَّ القوات الأمنية موجودة لخدمتهم وليس لقمعهم.
بعد تظاهرة أمس الراقية
[post-views]
نشر في: 4 مارس, 2016: 05:13 م
جميع التعليقات 1
خالد
ياعزيزي!له الفارق بين هذه التظاهرة وتلك التي يقوم يها أولاد الخايبة في ساحة التحرير هو أن الداعي الى هذه شريك في الحكم, ولديه من العتاد والسلاح ما يوازي ما لدى الحكومة. فهل من المعقول أن يستقبلها أولاد الحكومة بالهراوات وقنابل الغاز أو الرصاص الحي أحيانا