نلاحظ على أغلبية الممثلين الكوميديين ،إن لم نقل كلهم، نمطية الاداء عند اشتراكهم في تمثيل ادوار في المسرح او في التلفزيون او في السينما، بمعنى انهم يستعملون التقنيات نفسها بما يخص الأداء الصوتي والجسماني مهما اختلفت مضامين واشكال الأعمال الفنية التي يشتركون فيها، فلماذا؟
ألا يشاهد القارئ او المشاهد ممثلا كوميديا مثل المصري وهو يؤدي ادواره في المسرح والسينما والتلفزيون كما لو كانت شخصيات مستنسخة حيث يستخدم وسائل التعبير الجسدي والصوتي نفسها في جميع الأعمال التي يشترك فيها . فهو يمثل على الدوام شخصية الانسان الساذج البليد او الأبله او المغفل ، وكذلك الحال مع الممثل العراقي (ماجد ياسين) فتراه في جميع اعماله وكأنه ذات الشخصية لا تغير يذكر في صفاتها ولا في تصرفاتها.
يمكن القول ان شخصيات المسرحيات الكوميدية منذ قديم الزمان وحتى اليوم، عبارة عن انماط تمثل فئات تتشابه في صفاتها وهنا نذكر على سبيل المثال شخصيات الكوميديات الايطالية لفرق (الكوميديا دي لارتا) التي اشتهرت في عصر النهضة . فكلها انماط، فهناك (البانتالونا) و(الدوتورا) و(الأرليكانو) و(الكابيتانو) التي تتكرر في جميع المسرحيات التي كانت تقدمها تلك الفرق مهما اختلفت موضوعاتها واشكالها. ونذكر مثلاً آخر في مسرحيات موليير الكوميدية فإن الشخصيات الرئيسة فيها هي الأخرى انماط، فالبخيل يمثل فئة البخلاء جميعاً و(مريض الوهم) يمثل فئة كبيرة من امثاله و(طرطوف) الرجل الذي يتخذ من جلباب الدين وسيلة لتحقيق نواياه الخبيثة ولذلك يمثل فئة كبيرة من الناس. وفي السينما الصامتة كانت شخصية الممثل الكبير (شارلي شابلن)، في جميع افلامه متشابهة في مظهرها وفي تصرفاتها ولذلك يمكن اعتباره ممثلاً نمطياً الى ان ظهرت السينما الناطقة وحتمت عليه ترك النمطية في ادائه واللجوء الى التنوع وفقاً لتنوع صفات الشخصية التي يمثلها.
هناك سببان رئيسيان يدعوان الممثل الكوميدي الى اللجوء الى نمطية الأداء، السبب الأول هو خشيته ان يفقد جمهوره الذي اعتاد على رؤيته بصفاته النمطية اذا ما تخلى عنها حيث اشتهر وكسب جمهوراً واسعاً لكونه استمر على نمطيته. السبب الثاني هو محدودية امكاناته التي تمنعه من تنويع ادائه مهما اختلفت الشخصيات التي يمثلها، ومن دون شك ليس هناك في الحياة من شخص يشبه شخصاً آخر في جميع صفاته. او ربما لا يريد هذا الممثل الكوميدي او ذاك اجهاد نفسه في البحث عن الاختلافات وبالتالي ينوّع اداءه على وفقها.
من وجهة النظر المنطقية في الحياة وفي الفن ايضاً، ان التكرار والاستنساخ مرفوض لانه يدعو الى الملل ولذلك فإن شعبية الممثل الكوميدي النمطي قد تتناقص يوماً بعد يوم الى ان يتحول ذلك الممثل الى ما يشبه الآلة الجامدة التي لا حياة فيها ولا جاذبية تميزه عن غيره. ولذلك ايضاً يصبح التنوع في الأداء من الضرورات الفنية. اما كيف يمكن الوصول الى التنوع فتلك مهمة يشترك فيها الممثل الكوميدي نفسه ومخرج المسرحية التي يشارك فيها الممثل، وتقتضي تلك المهمة ان يبحث الاثنان معاً في مضمون المسرحية اولاً وفي ابعاد الشخصية ثانياً. وفي الظروف التي افترضها مؤلف النص المسرحي والتي تحيط بالشخصية الكوميدية وان يبحثا معا عن وسائل اضحاك اخرى غير تلك التي اعتاد الممثل على استخدامها.
لماذا يلجأ الممثل الكوميدي الى نمطيّة الأداء؟!
[post-views]
نشر في: 7 مارس, 2016: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
محمد الامين السعداوي
أشكرك شكرا جزيلا.