TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اجتماع كربلاء

اجتماع كربلاء

نشر في: 7 مارس, 2016: 06:00 م

وإذ جاء في الأخبار أوّل من أمس، أنَّ قادة التحالف الوطني اجتمعوا في مدينة كربلاء، بحضور رئيس الحكومة، خُيّل إلينا، نحن الذين على نيّاتنا دائماً، أنهم هذه المرة قد عزموا على أمر مهم فيه نفع كبير للعراق وفائدة عظيمة للشعب العراقي، فاختاروا أن يتعاهدوا ويتعاقدوا عليه، على طريقة الأسلاف، في حضرة الإمامين الحسين والعباس اللذين يحرص هؤلاء القادة دائماً على تصوير أنفسهم وهم يبكونهما أو يلطمون صدورهم من أجلهما في يوم عاشواء وغيره.
بعضنا شطح به الخيال إلى الحدّ الذي تصوّر معه أن البيان الذي سيصدر عن الاجتماع سيحمل اعترافاً بالأخطاء (ولا نقول الخطايا حتى لا نجرح المشاعر الرقيقة!) التي ارتكبها هؤلاء القادة وأحزابهم في حق جمهورهم (الشيعي) أولاً وفي حق عموم العراقيين، وبمسؤوليتهم عن القسط الأكبر من الخراب الشامل الذي انتهت إليه تجربة حكمهم الممتدة لما يزيد على عشر سنين، والمفروشة طريقها بمئات مليارات الدولارات التي طارت ولم تترك أثراً بحجم ريشة. بل جمح خيال بعضنا أكثر ليظنّ أنّ البيان سيُعلن عن تفاصيل حزمة إصلاحية تتجاوز الحزمة التي تعهدت بها الحكومة منذ سبعة أشهر، وزايد عليها مجلس النواب بحزمة أخرى قبل أن يرتدّ وينقلب على تعهّده وتعهّد الحكومة في آن ..!
البيان الصادر عن اجتماع كربلاء لم يقترب بأي مسافة من هذه الظنون والتصورات ولو على طريقة "سلّم عليَّ بطرف عينه وحاجبه" لطيّب الذكر حضيري أبو عزيز..! فهو لم يتضمن أي جملة مفيدة تحقق للشعب ولو أدنى مطالبه. البيان في جملته وتفصيله يعكس سعياً لتسوية خلافات ولتصفية حسابات في ما بين الأطراف المجتمعة، وهو أمر لم يحصل في الحالين، فلا التسوية تحققت ولا التصفية قابلة للتحقيق.
التحالف الوطني في مأزق شديد منذ زمن، واجتماع كربلاء زاد من هذا المأزق ووسّع الهُوّة في ما بين أطرافه ( ارجعوا إلى تصريح السيد مقتدى الصدر الذي تبرّأ فيه من بيان الاجتماع وتحدث عن "شلع وقلع") .. وعواقب هذا المأزق في مرحلته الجديدة يمكن أن تكون خطيرة، فالإصلاح الذي تطالب به أغلبية الشعب، وتمحضه تأييدها معظم القوى السياسية بما فيها قوى التحالف، كذباً في الغالب، لا يمكن إنجازه في ظل انقسام بهذا العمق وهذه الحدّة داخل الكتلة البرلمانية والحكومية الأكبر. كما أن عدم ظهور أيّ إشارة إلى اعتراف بخطأ في ما سبق يُغلق كل أفق في وجه عملية التغيير والإصلاح المطلوبة، وبالتالي يحول دون معافاة أوضاع البلاد العليلة حدّ الهلاك .. والانفجار.
ما الحلّ؟
إنه بسيط للغاية، لكنَّ مشكلته أنه غير ميسور .. الحلّ هو باعتراف التحالف الوطني وسائر شركائه في الحكم بأنهم قد فشلوا في إدارة البلاد وأن الصيغة التي وضعوها للإدارة (المحاصصة) لم تبرّر نفسها في أي يوم، وعلى قاعدة المُجرَّب لا يُجرَّب فإنهم يُفسحون في المجال لغيرهم ليجرِّب، وإن بمشاركة جزئية منهم.
هذا هو الحل .. وهو يتطلب، ليكون ناجزاً، تخلّياً من التحالف الوطني وشركائه عن أنانيتهم المدمرة.
هل هذا ميسور؟
لا أظنّ، لا أرى، لا أعتقد .. لا أتوهّم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. محمد سعيد

    مقاله بخواطر محكمه اصابت كبد الحقبقه في عراقنا الرهينه من قبل المدعي التحالف الوطني والحق الذي يقال التخلف الوطني لان قوامه بكامله استند ليس علي استهداف بناء دوله, بل سعي فقط الي توطيد الطائفيه وفرهده المال العام وتبديد خيرات البلد الما

  2. ام رشا

    لا اراه الا عرس واويه والمذهب سينتصر وظلوا انتم بحسن نيتكم.9371

  3. خالد

    لقد أسمعت لو ناديت حياَ ولكن لا ( حياء) لمن تنادي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram