اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > أرواح الناس بين جشع الأطباء ومراجعة المضمدين

أرواح الناس بين جشع الأطباء ومراجعة المضمدين

نشر في: 9 مارس, 2016: 12:01 ص

الصدفة وحدها هي التي قادتني الى كتابة هذا التحقيق بعد ان شاهدت امرأة كبيرة في السن تتكلم مع صاحبة الصيدلية الواقعة في منطقتنا لشراء أدوية مختلفة . وكانت أسماء الأدوية مدونة في ورقة صغيرة كانت على مايبدو حريصة من ان تضيع منها فقد كانت تحتضنها في كف يد

الصدفة وحدها هي التي قادتني الى كتابة هذا التحقيق بعد ان شاهدت امرأة كبيرة في السن تتكلم مع صاحبة الصيدلية الواقعة في منطقتنا لشراء أدوية مختلفة . وكانت أسماء الأدوية مدونة في ورقة صغيرة كانت على مايبدو حريصة من ان تضيع منها فقد كانت تحتضنها في كف يدها. المرأة كانت واثقة من طلبها للأدوية ولم تسألها الصيدلانية لمن ومن سوف يتناولها  ومن وصفها لها واكثرها مسكن للآلام. الفضول دفعني لسؤالها عمن كتب لها الدواء فقالت انها "القابلة المأذونة ام فلان" وهي افضل من الأطباء لأن الطبيبة النسائية تطلب (20) الف دينار كشفية في المناطق الشعبية فكيف لو ذهبنا الى مراجعة طبيبة عيادتها في منطقة الحارثية؟

الحصول على قطرة عين
هذا الموقف جعلني استذكر ماحدث معي في احدى الدول الاوروبية  حيث كنت بحاجة الى شراء قطرة لتعقيم العين لايتجاوزسعرها بالدينار العراقي (3500) دينار،اي (3) دولارات . العديد من الصيدليات رفض بيعها بشدة الا بموجب وصفة طبية حتى بعد ان اخبرناهم انها مجرد قطرة لتعقيم العين وما نحمله معنا نفد ولم نستطع الحصول عليها الابمساعدة احد الاطباء الموجودين في السفارة العراقية.  
الصيدلي وصاحب المختبر والقابلة المأذونة والمضمد الصحي  يمارسون هذه الأدوار في العراق ، بل وحتى أشخاص عاميون لاعلاقة لهم بالطب والمهن الصحية من قريب أو بعيد. بالنتيجة فإن الظاهرة مجتمعية سواء في أداء الوظيفة أو بسبب تخلف المستفيد ناهيكم عن الفساد الإداري والمالي وسرقة بعض الأدوية والتي تنتشر في اماكن كثيرة وتباع في الاسواق وحتى على بعض البسطيات في منطقة ساحة الطيران والباب الشرقي.
الدكتور بهجت السعيدي - طبيب اسنان- ذكر لـ(المدى ): هناك ظاهرة سلبية متفشية جدا في مجتمعنا العراقي وهي ظاهرة لجوء الناس حين يمرضون أو يحتاجون الى  استشارة طبية إلى أشخاص ليسوا بأطباء. مستدركا: لكنهم يتقمصون دور الطبيب بدءا من التشخيص إلى كتابة التحاليل والعلاج وحتى العمليات الصغرى أو الكبرى . مردفا : مع الاسف بات المرضى  يتسابقون نحو المضمد أو المعاون الطبي وأحيانا الى القابلة ، أو ماتسمى باللهجة العامية (الجدة) سواء أكانت مأذونة ، أي مجازة صحيا وتحمل شهادة ، أو غير مأذونة أي أنها دون شهادة وإنما لديها خبرة حياتية في مسائل الحمل والولادة.

 إدارة غير كفوءة
الدكتور سعيد ياسين موسى قال لـ(المدى ) "ان القطاع الصحي وفق المعايير الدولية يعتبر من أهم القطاعات الخدمية والذي له تماس مباشر بالمواطنين". مبينا : ان بعض الدول أفردت له مؤسسات لرصد القطاع ومتابعة تقدمه وتطوره ومراقبة نسب الولادات والوفيات ونسب معدل العمر.
وتساءل موسى: هنا نحتاج إلى وقفة فاحصة ، فهل هناك تطور في القطاع الصحي في العراق؟ متابعا: لا يخفى ان هنالك تطورا نسبيا جزئيا ولكن إدارة القطاع الصحي غير كفوءة ومن خلال معطيات واضحة أولها شركة كيماديا واستيراد واستدراج عقود تجهيز الأدوية  كماً وآلية وتحديد الاحتياج أيضا من حيث النوعية خاصة أدوية الأمراض المزمنة.

الطوارئ والعيادات الشخصية
واستطرد الدكتور موسى:  "هناك إشارة مهمة وهي أن مخرجات ملف الخدمات الكهرباء والماء الصالح للشرب والصرف الصحي والطمر الصحي ومعدل المساحات الخضر والوضع النفسي والغنف والارهاب تركت نتائجها على القطاع الصحي." مضيفا : "بمعنى أن الخدمات المؤشرة عندما تتقدم يتحسن الوضع الصحي الشخصي ما يدعو إلى توجيه جهد المؤسسات إلى تحسين الخدمة الصحية." مشيرا الى تراجع بعض المفاصل المهمة بالقطاع الصحي مثل  الطوارئ أو العيادات الاستشارية.
وبشان مراجعة الناس للمضمدين ذكر موسى: هنا يبرز سؤال : لماذا يثق أو يراجع المواطن عيادات المضمدين والقابلات المأذونات دون الذهاب إلى المستشفيات؟ مشيرا إلى تخلف إدارة المستوصفات وقلة الأطباء وكذلك تخلف الثقافة والوعي لدى المواطنين. مشددا: ان المشكلة تربوية توعوية ثقافية اضافة الى مخرجات التربية والتعليم ايضا مؤثرة بهذا الجانب.

الأطباء لايبالون
سلمان محسن - متقاعد- يقول لـ(المدى): راجعت الكثير من المستشفيات بسبب اصابتي بمرضي السكري وارتفاع ضغط الدم وكانت اغلب مراجعاتي ليلاً ، مضيفا: شاهدت غرف  الطوارئ مجهزة بشكل كافٍ بالأجهزة ، ولكن الخلل يكمن في الادارة والصيانة اضافة الى عدم مبالاة البعض من الاطباء الخافرين باسعاف المريض وترك الممرض يقوم بالاسعافات. مؤكدا : هذا ماجعلنا نلجأ الى بيوت المضمدين الصحيين ليلا وفي اغلب الاحيان يكون الدواء الموصوف ذاته حتى ان بعض المرضى يجدون ان المضمد الصحي او الممرضة اكثر فائدة من اطباء (هل وكت ) ، حسب وصفه.  

عيادات المضمدين متخلفة
 بينما علقت نبراس احمد - موظفة- ان اطفالها يعالجهم المضمد الصحي كلما اصيبوا بالمرض ويصف لهم الدواء وهو لايختلف عن الوصفة الطبية التي يكتبها الطبيب. مشيرة الى ان المضمد يقوم بزرق الحقن ولأياخذ اكثر من خمسة الاف دينار. مفضلة ذلك على الذهاب الى المستشفيات الحكومية والانتظار وقطع الباص بالتالي لايكتب في الوصفة غير البراسيتمول وورقة لشراء الدواء من الصيدليات الخارجية.
اما المهندس شهاب سعد فقد بين انه اصيب بتمزق بإربطة القدم وان اصدقاءه نقلوه الى احد "المجبرجية" وبعد فتح الجبس كان هناك خطأ في تحديد المكان المتمزق ، وعندما ذهب الى طبيب اختصاصي اضطر الى اخذ اشعة وعمل عملية لربط الانسجة ومازال يعاني من الالم بسبب عدم كفاءة المضمد الصحي. مشيرا الى ان جميع عيادات المضمدين غير صحية ومعرضة لانتشار العدوى وان من التخلف مراجعتها لانها قد تصلح فقط لزرق الحقن او قياس ضغط الدم والسكر.

الفساد وإهانة الأطباء
في هذا الشان يبيّن الدكتور واثق الهاشمي رئيس المجموعة العراقية للدراسات الستراتيجية لـ(المدى) :" ان الموضوع مهم وخطير وبدأ بالبروز في المجتمعات التي تعاني من تراجع في المستوى الثقافي والمالي." متابعا :"الغريب ان هذه الظاهرة تنتشر بالعراق في القرن الحادي والعشرين في حين وصلت دول كانت تعتبر متأخرة الى مستوى عالٍ في الثقافة والوعي والإدراك." مبينا: "في العراق برزت هذه الظاهرة مع بدء الحصار الاقتصادي في تسعينات القرن الماضي ولكنها زادت بشكل خطير بعد عام ٢٠٠٣."
واكد الهاشمي: "ان هذه الظاهرة برزت في ظل تراجع الخدمات وهجرة العقول الطبية بعد ان طالها القتل والتهديد فضلا عن تفشي ظاهرة الملاحقة العشائرية للأطباء وتعرضهم للضرب والاهانة لمرات عديدة." مشددا على الانخفاض الحاد في مستوى الدخل وتفشي الفقر والبطالة والأمية مع تراجع في مستوى الخدمات وتفشي الأمراض بشكل كبير وإلا بماذا نفسر انتشار الكوليرا التي انتهت كوباء من عقود طويلة مضت. مشيرا الى غياب الرقابة الصحية وتفشي الرشوة بحيث اصبح الكثير بمقدورهم افتتاح صيدلية بدون اجازة وهم أصلا ليسوا صيادلة فضلا عن الممرضين والممرضات الذين فتحوا عيادات غير قانونية ومراجعة عدد كبير من الناس لهم لعدم مقدرتهم المالية على تحمل نفقات واجور الأطباء التي أصبحت خيالية مع ارتفاع أسعار الدواء ..

 الحاجة : 100 ألف طبيب
بينما اوضح الدكتور عصام الفيلي- الجامعة المستنصرية: "أعتقد ان ثقافة الممرض المعالج بدأت تنتشر في كل أنحاء العراق خاصة أمام ارتفاع أسعار العلاج لدى الأطباء الاختصاص وتكرار الوصفات وعدم وجود مستشفيات طوارئ في أغلب المناطق العراق." مردفا: " إضافة إلى رخص تكاليف العلاج لدى الممرضين في حين أن أي طبيب اختصاص  يعالج مريضا بوصفات طبية من مناشئ عالمية تكون مكلفة ماديا." مشيرا الى غياب الضمان الصحي  كما هو معمول به في كثير من دول العالم. واضاف الفيلي: الفقرة الأهم أننا نفتقر إلى العدد الكافي من الأطباء وللدلالة أشير الى أن العراق بحاجة إلى ( 100) الف طبيب فيما لايتعدى عدد الأطباء في العراق الـ (48000) طبيب. موضحا: ان التخصيصات المالية في الميزانية لاتفي بالغرض. مضيفا: بقي أن نقول أن تراكم الخبرة لدى بعض الممرضين جعلهم يتفوقون على كثير من حملة الشهادات . وللعلم، الحاج سلمان في الكرادة قرب الاورزدي - رحمه الله - خير دليل في مجال معالجة الحروق ومن خلفه من بعده ايضا.

الكشفية و"الإبرة السحرية"
يبدو ان هناك آراء مختلفة بين من يجد في المضمد الصحي او القابلة المأذونة بديلا عن الطبيب الاختصاص او حتى الصيدلاني لوصف الدواء ،فهل يعود ذلك الى قلة الثقة بالطبيب حيث يعتبره الناس جزارا بسبب غلاء اجور الفحص (الكشفية ) وغلاء اسعار الدواء وعدم وجود رقابة من قبل وزارة الصحة ونقابة الصيادلة اضافة الى وضع المستشفيات البائس . وهذا فساد من ضمن فساد الاخرين ما دفع الناس للتوجة الى المضمد فضلا عن صيدليات الأرصفة المنتشرة في كل مكان وهذه المشكلة لاتحل الا بتعاون مشترك بتثقيف المواطن صحيا ومتابعة الجهات المختصة. الاكاديمية بشرى الجبوري قال لـ(المدى): انتشرت في الأونة الاخيرة ظاهرة "الإبره السحرية" والتي يلجأ اليها بعض الناس في حال اصابتهم بالانفلونزا وقد تؤدي هذه "الابرة" ،والتي هي عبارة عن ابرتين معا يزرق بها المريض ،الى الموت. متابعة: عجبا لماذا هذا التهاون في الصحة ومَن الملام على ذلك اي في ذهاب المريض للمضمد او معاون الطبيب كي لايدفع ثمن الاجرة العالية للطبيب ولهذا يقال ان الطبيب الفلاني (كصاب أكشر) لايذهب احد اليه ولذلك يلجأ بعض الناس لمثل هؤلاء المتاجرين بارواح الناس.
وتساءلت الجبوري: لماذا لا تخضع وزارة الصحة او اية جهة ثانية ذات الشأن بوضع حد لجشع بعض الاطباء بأن توضع اجرة كل حسب اختصاصه. مبينة: ان هناك من له عدة اختصاصات نرى انه باطنية وقلبية واطفال وجراح. متسائلة: كيف حصل ذلك ومن اين جاء بهذه الاختصاصات. ولماذا لاتكون هناك رقابة على كل من يفتتح محلا او ماذا نسميها عطارة طبية وفرض عقوبات للمخالفين اي شخص يدعي انه مضمد او معاون طبيب ويمارس مهنة التطبيب وكثير من الناس ذهبوا  ضحية هؤلاء.

  والخلطة السحرية ايضا  
 الإعلامي ماجد معارج اشار لـ(المدى): اذا راجعت اي مضمد وانت تشكو من حمى او الم في المفاصل او في منطقة  الصدر او غيرها من الاعراض سيعالجك بمايسمى بـ "الخبطة" وهي عبارة عن دكسون مع فولتارين او دكسون مع اسبيجيك. وهي  مهدئات ما انزل الطب فيها من سلطان. مسترسلا: عملت في صيدلية بمنطقة بغداد الجديدة لخمس سنوات وتعلمت الكثير من "فهلويات" الصيدلة ففيها الكثير  اضافة لما ذكر هو استخدام المضمدين إبرا مهدئة تخفف الالم دون علاج وتخدع المريض. مشيرا الى غياب الرقابة الحقيقية لصرف الادوية كبقية دول العالم التي لاتصرف الا بوصفة طبية.
واشار معارج : هناك نوعان من الأسباب تؤدي الى هذه الظاهرة  الاول يتعلق بوعي المجتمع والثاني يتعلق بنوع الادارة والقانون الحافظ للمجتمع وجدية تطبيقه. متابعا: من هذه الأقسام تتفرع الأسباب الاخرى جميعها، وطبقا لعلم الاجتماع الحديث فإن حلول المعضلات الاجتماعية والمجتمعية عندما تتفاقم وتظهر بشكل واضح وتبدو فيها محرمات المجتمع حلالا . موضحا: فلا يمكن ان يبقى المجتمع ونخبه وفئاته العمرية والاجتماعية منتظرة حماية القانون بل عليها ان  تبرز  بشكل واضح وقوي باكبر من حجم الظاهرة  وتطبق القانون الصحيح للمجتمع  دون الاكتراث بالأصوات النشاز المدافعة عن السلبية  او الاستماع لصوت الجهل المنتشر والمسبب لهكذا ظواهر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ali talib

    لماذا جريدة محترمة مثل جريدتنا تقدم الأطباء العراقيين على أنهم مصاصي دماء اتقوا الله في دماء الناس والا سنخسر جيل من الأطباء الكفوئين بسبب هذا التحريض المستمر وللأسف

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram