TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مواجهة

مواجهة

نشر في: 11 مارس, 2016: 09:01 م

حين عاد من ذلك البلد البعيد في زيارة ، بدا وكأن اشياء كثيرة تغيرت فيه ..لم يكن التغير سلبيا اذا نظرنا اليه بطريقة متحضرة ، اذ لم يعد ذلك الشاب البسيط الذي يستخدم المجاملة وسيلة لتسيير أموره ..لقد بات يستخدم الصراحة سلاحا يشهره في وجه الجميع دون استثناء إيمانا منه بأن الإفراط في المجاملة يتحول تدريجيا الى نفاق غير مرئي وسرعان مايتطور الامر وتتحول المجاملة الى شبح من الأكاذيب ..
لم يفهمه المقربون منه في بادئ الامر اذ لم يتغير حالهم عن السابق بل زادت مجاملتهم لبعضهم الى حد النفاق وصار يمكنه ان يرى من تركهم أعداء قد اصبحوا أصدقاء لمجرد وجود مصلحة تجمع بينهم ، او يسمع مديحا لشخص لايستحقه من شخص آخر لايحبه لمجرد تفادي ماقد يصدر عنه من أذى !!
رغم ذلك ، حاول الا يستخدم الصراحة كسكين حاد يجرح به مشاعر أحبته بل كفنّ يصعب على الجميع استيعابه مستندا الى حقيقة ان الصراحة تحقق الراحة لقائلها وسامعها اذ ليس من المعقول ان نعتبر المجامل أعز الاصدقاء وأوفاهم والصريح الذي ينتقد ويسعى لتصحيح أخطائنا هوعدونا ..وليس من المعقول ايضا ان يكون عدونا غبيا ليخبرنا بمواطن ضعفنا وينبهنا لأخطائنا ...
لم يكن الامر هيناً وكانت نتيجته الاصطدام بمن لايحبذ الصراحة او المواجهة ويفضل الارتكاز على كلام منسوج من الهواء لايمس القلب ولا الضمير ويسهل تجاهله ليعود هواء من جديد ...لكنه دأب على استخدام سلاحه دون كلل وكان يقول لمن حوله ان المرء متى ماتخلص من المجاملة فلابد ان يحذو الآخرون حذوه وينصحهم بعدم الإصرار على استخدامها لأن الإصرار على الخطأ يعتبر خطيئة احيانا ..
في النهاية ، وحين اقترب موعد عودته الى ذلك البلد البعيد ، لم يلحظ ما احدثه من تغيير على من حوله لأن التغيير لم يحدث اصلا ولأنهم لم يفهموا فلسفته ليؤمنوا بها ويطبقوا بنودها لذا عاد ليعقد مواجهة بينه وبين نفسه ليحاول الوصول الى نتيجة مرضية ترضيه وترضي من حوله ، وقبل كل ذلك ترضي ذلك الضمير الذي بداخله ..والغريب انه لم يجد حلاً مُرضياً الا في استخدام الصراحة ..
اغلب رجال السياسة الحاليين لدينا وفدوا من الخارج وتعلموا عاداته ، لذا كان يفترض ان يمارسوا سلوك الصراحة كصاحبنا فيضعوا اصابعهم على اخطاء بعضهم البعض ولايجاملونهم على حساب المبادئ والنوايا الحسنة وهو السلوك الذي توقع العراقيون ان يسلكه العبادي الذي تشرب بسلوكيات الغرب ..توقعوا ان يؤشر الأخطاء ويكاشفهم بها وألّا يجامل أو يحابي مادام يدّعي الوطنية ويدعو الى اصلاح مواطن الخلل في البلد ، لكن الأيام توالت ليكتشفوا ان الصراحة والمواجهة هما آخر اسلحته وان المجاملة والمحاباة هما السلوك الذي يرضيه ويرضي من حوله ولكنه لن يرضي شعبه او ضميره ان كان مازال حيا وهو يعيش وسط مستنقع من فساد المسؤولين من رفاقه وبُركة من عرق ودماء العراقيين الذين مازالوا ينتظرون ما ستسفرعنه المواجهة ..أو ..المجاملة !!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram