TOP

جريدة المدى > عام > الإقرار بالثقافة المحلية الفاعلة

الإقرار بالثقافة المحلية الفاعلة

نشر في: 13 مارس, 2016: 12:01 ص

الكبار ثقافيا غالبا كبار في السن أو هم جاوزوا سن الشباب سواء كانوا مبدعين أو أساتذة. ليس هذا شرطاً ولكنه مضمون قاعدة عامة يقررها التراكم الثقافي وتراكم الخبرات. ونحن بدءاً نقر بفضل أولاء ونحترم الركائز المعرفية التي يحتلونها كما نحترم ما يقدمونه من آ

الكبار ثقافيا غالبا كبار في السن أو هم جاوزوا سن الشباب سواء كانوا مبدعين أو أساتذة. ليس هذا شرطاً ولكنه مضمون قاعدة عامة يقررها التراكم الثقافي وتراكم الخبرات. ونحن بدءاً نقر بفضل أولاء ونحترم الركائز المعرفية التي يحتلونها كما نحترم ما يقدمونه من آراء وملحوظات على ما يرون.
لكن هناك حقيقة أخرى، مؤسف ألا نعترف بها وغير صحيح تجاهل دورها التنموي ثقافيا واجتماعياً. تلك هي أن ثقافات الشباب (وأقول ثقافات لا ثقافة واحدة) المتقدم منها أكثر حداثة وأكثر تفاعلاً مع زمنه وأكثر سعة.
نعم في هذه الثقافة شوائب، فيها مناطق ضعف، فيها أقسام لم تتكامل أو غير متماسكة عشوائية أحياناً وغير تراتبية في أحيان. هذا كله صحيح، لأنها غير محكومة بنظام تطوري في بعضها وغير أكاديمي في البعض الآخر. لكن هذه أمور لا تنفي قربهم الأكثر من روح العصر وحركته الدينامية، ولا تحول من القول : أن ثقافة الشباب أكثر معاصرة.
السؤال الآن : من هم المثقفون الشباب؟
أولا ، ليسوا هم الأدباء الشباب وحدهم ولا هواة الأدب والثقافة وحدهم. المثقفون الشباب هم الذين يملأون القاعات الدراسية التخصصية جميعاً، قد تكون هذه التخصصات علوماً أو آداباً أو رياضة أو فنونا أو معاهد تدريبية، هذه كلها حقول ثقافات ومع أولاء مماثلوهم من المعنيين أو المهتمين اهتماماً جاداً والمتابعين لكل تلك الموضوعات.. لابد من إيضاح : أن هؤلاء نادراً ما ينشرون في الصحف، ونادراً ما يرون في الفضائيات، ولهذا هم بعيدون عن المشهد الصحفي. المشهد الإعلامي عادة يشغله الأدباء ومحترفو الكتابة أو الراغبون في الكتابة عن منجزهم فيتحدثون بما يوضح أو يكشف أو يسوّغ.
فإذا علمنا أن ليس كل كتابة تؤسس لأديب في المستقبل، كما ليس كل منها مرفوضا، إذا، ثمة حاجة للتريث في إطلاق صفة ثقافة أو أدب على كل ما ينشر. العديد من الصحف، بسبب كثرتها وأغراض تأسيسها، تريد ملء صفحاتها مجاناً أو بما هو شبيه بالمجان، هذا يعني نشر ما لا يستحق النشر. وهذا يعني أيضاً أن النوع والمستوى الثقافي لا يقررهما الحضور في المشهد الإعلامي. والمثقفون خارج الإعلام أكثر كثيراً مما هما فيه. ما اردت الوصول إليه، أن نسبة تقارب الثمانين في المائة من المثقفين الشباب هم خارج المشهد وبخاصة طلبة التخصصات العلمية والرياضية والفنون والأعمال المهنية .. لكن ما هو المعاصر؟ مثلما يعني المعاصر الحاضر، هو يعني ذلك الماضي الذي لم ينته بعد! الذي ما يزال يلامسنا، "الذي لم يصل إلى نهايته في الزمن الروائي" (سيمون ديورنغ). هذه النقطة تحتاج إلى إيضاح : المثقفون الكبار الراسخون أو من نسميهم المخضرمين، تلامسهم نهاية الماضي أيضاً لكنهم ما يزالون متلبسين بالماضي، ولا يريدون، أو لا يميلون لكل بوادر المستقبل وإن طمحوا له. الروح المستقبلية ليست صاحبة التأثير الأكبر في منطقتهم الوسطية بين نهاية الماضي وحضور المستقبل.
المثقفون الشباب هم الذين يمتلكون مرونة الحركة والحضور في الزمن المعاش. هم يعملون بين نهايات الماضي واشارات المستقبل مع ميل أكبر له. الحيوية أكثر كأية مرحلة تطور أو مرحلة انتقال. هم أكثر تحرراً، وأكثر محاولات تحرر من المهيمن، الماضي، بسبب عون طلائع المستقبل. وهذا ما يستوجب الاحترام واحترام الثقافات الفاعلة كلها، العلمية والأدبية والرياضية والفنية والمهنية، كما التجارة والصناعة، بل اتجاوز هذا لا ضيف التجميل والرقص والغناء وكل المهن من التجارة المحدودة والكبيرة إلى الأسْكَفَةَ إلى الحلاقة والفلاحة. هذه، كلها تؤلف أو تكون الحيوية الثقافية لزمنها.
في ضوء هذه التفاصيل تصبح حيوية المجتمع هي حيوية العاملين النشطاء، وهذا يعني حيوية المثقفين الشباب في قسطها الأوفر. أولاء هم القريبون في انتمائهم إلى مشارف المستقبل. الأدباء بعض من أولاء لكنهم أقرب للإشهار بسبب كتاباتهم في الصحف أو حضورهم في الفضائيات وقد أشرنا إلى ذلك أول الكلام.
إذا كان بعض من لوم هنا أو هناك فلا يقع أساساً على كم الماضي المتبقي في "العصر" ولا تقع تبعته على حيوية الشباب بثقافاتهم المختلفة ولكن على مدى الحداثة في عالمهم. الحداثة في عالمهم مفككة داخلياً، وقد سيطرت أطرها الواسعة على مجتمعهم أكثر من محتواها المركز. حداثة الثقافة، صورةً وتوقعاً في هذه العقول المتطلعة متخلخلة بعيدة عن التكامل فضلاً عن مفارز الماضي التي تتحكم في مفارق الطرق، فمعاناة المثقفين الشباب، بالمفهوم الذي قدمناه، ومخاوفهم هي مما يهددهم بالنكوص أو الارتداد .. كما نشهد اليوم من تحول "ثقافات" بعض التقدميين، إلى تراجع فكري أو انتفاع..
العون الوحيد للمثقفين الشباب – بالمفهوم الذي حددناه – ليس التقدم الاجتماعي والاقتصادي لبلدهم، هذا نزر وشديد البطء وقَلِق. العون الآن هو مما يسوقه النقاد والمنظرون وعلماء الاجتماع في العالم إلى السوق المحلية. العون الفكري والرؤيوي، وفي جانب كبير العاطفي، من هذه الطاقة الثقافية القادمة. منها تستمد ثقافتهم تغذيتها ومقاومتها، مثلما قدرتها على التقدم.
أما الفضائيات، فمثلما تقدم نفعا معرفيا، هي تصنع نوعا من الاشتباك المعرفي، بخاصة في المجالات الاجتماسياسية والفنية (الموسيقى والغناء). من هذا النوع من "الاختلاطية"، تولد ثقافة عديمة الشكل وعديمة المنهج. امتياز اللارسمية لا يحول دون ذلك وهذا هو ما تفيد منه البروباجندا العالمية فيما توجهه فضائياتها.
وعلينا ألا ننسى حقيقة أن تزايد حيوية الثقافة الحديثة يقع ضمن فوضى مجتمعية محلية أيضاً وضمن عدم استقرار سياسي حيث صراع قوى التقدم مع الرجعية ونفوذ، أو استحواذات، الكهان. إن مقاومة الثقافة الحديثة لكل هذا جديرة بالإشادة. الفعل الثقافي الجديد، بحيويته لا يبقى القديم برسوخه. الثقافة الجديدة تعمل على تقصير عمره وعلى كشف كامل للأفق. الثقافة، أو الثقافات الجديدة، بالفوح الشبابي تصنع اليوم علاقات جديدة في موضوعات الجنس والمجتمع والسياسة، وكلها تتغذى وتتوهج بالروح المستقبلي وبميل صار يتضح قليلاً قليلاً للانمطية. بعض عن التحولات او النتائج في العلاقات الاجتماعية ومنها الجنسية مما يزيد من المقاومة الضد. لكن شئنا أم أبينا اللانمطية وكسر التقاليد بعض من التحولات والنتائج.
ختاما، لا أرى مفيدا ولا علميا أن نفصل مفهوم الثقافة اليوم ومفهوم المعرفة، انهما مضمونان متكاملان ومتداخلان، وبحسب ما أوردناه في تعبير "ثقافات"، نكون قد دخلنا في صميم المعرفة. إن مجتمع عصر المعرفة قد بدأ فعلاً في جميع الأقطار ومنها بلادنا. المعرفة اليوم هي "عملة هذا العصر..". ومدى النشاط المعرفي هو مدى التطور الاجتماعي ومدى الحركة إلى المستقبل. والثقافات والمعارف، متداخلتان معا، تضغطان لدفع الأركام ثم التقدم. إن ثغرات كبيرة مفرحة فتحت، فكرية وجنسية وبعض التحرر الفردي في الأزياء والخيار السياسي. إننا نلحظ بوضوح بدء سياقات حياة جديدة. وهو هذا تماما اتجاه حركة الثقافة الجديدة التي تحدثنا عن الدور العظيم للشباب في تحديثها وفي بنيتها وفي العمل من أجل المزيد. وهو هذا لا غيره سيعيد الصياغة العامة لمدنية البلاد وعموم أنظمتها الاجتماعية. للتقدم اليوم رأسمال ثقافي – معرفي حديث يعمل جدياً وإن في ظروف ليست كما نتمنى، ولكنه يعمل!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: "معركة" المغنيات

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

"مُخْتَارَات": <العِمَارَةُ عند "الآخر": تَصْمِيماً وتَعبِيرًاً> "كِينْزُو تَانْغَا"

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

"الشارقة للفنون" تعلن الفائزين بمنحة إنتاج الأفلام القصيرة

مقالات ذات صلة

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا
عام

الصدفة والحظ.. الحظ الوجودي والحظ التكويني في حياتنا

ديفيد سبيغنهولتر*ترجمة: لطفية الدليميقريباً من منتصف نهار التاسع عشر من آب (أغسطس) عام 1949، وفي محيط من الضباب الكثيف، عندما كانت طائرة من طراز DC-3 العائدة لشركة الخطوط الجوية البريطانية في طريقها من بلفاست...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram