لا دالة على فشل حكومات البصرة المحلية التي تعاقبت على السلطة، في المدينة منذ العام 2003 اكبر من فشلها في معالجة مجرى نهر العشار، وسط المدينة، ومنذ حسرة المحافظ الأول على حاله- لعله مزاحم التميمي- أو أبو أحمد الراشد او محمد مصبح الوائلي مروراً بالدكتور شلتاغ عبود والدكتور خلف عبد الصمد وحتى حسرات ووعود الأخير الدكتور ماجد النصراوي- والنهر على حاله، ماءٌ آسنٌ قذرٌ، مكبُ نفايات، خزان طويل لمجاري مركز المدينة التجاري الثقيلة والخفيفة، حاضنة واسعة لكل إطارات السيارات المعطوبة، وأخيراً مهجعٌ وملاذٌ آمنين للجرذان والكلاب النافقة.
المشكلة أنَّ النهر لا يبعد عن المبنى الحكومي سوى بضعة أمتار، وتقع على ضفتيه معظم المباني الحكومية الأخرى، دائرة الصحة، بلدية وبلديات البصرة، مدارس ومساجد وحسينيات ومطاعم وفنادق وأسواق تجارية كبيرة وبيوت الطبقة الأولى، يعني، بصريح العبارة، لا يمكن لأي حديث في العمران والمدنية والنظافة أن يبلغ حقيقته أزاء قذارة النهر هذا. كل مارٍّ بالسوق، وكل عابر من الجهة هذه إلى تلك يشم الروائح الكريهة المنبعثة منه، وحين تكون الريح شرقية( الشرجي) فالرائحة هذه تدخل مكاتب المحافظ ورئيس المجلس وأعضاء الحكومة بأكملها، وتجلس القرفصاء على مقاعدهم.
تتحدث جهات مالية رقابية عن صرف أكثر من أربعين مليون دينار ثمن وجبة طعام واحدة (كباب) لمكتب المحافظ ، وتحدثت وثائق رسمية عن صرف أكثر من ثمانين مليون دينار لعمل لوحة تعريفية خاصة بمبنى المحافظة، ومثل ذلك العشرات والمئات والملايين. ترى كم تبلغ كلفة صيانة نهر طوله قرابة الـ 2 كلم وعرضه 10 أمتار؟ وما الذي يمنع البلدية من قيامها بفرض عقوبة على الذين يتسببون بتلويثه، ولماذا لم تتعاقد الحكومة المحلية مع شركة، أي شركة، على تنفيذ مشروع كريه وترصيفه أو تحجيره، ومنع تحويله الى مكب للنفايات ومجرى للمياه القذرة؟ وقد دخلت المئات من الشركات العالمية المبنى الحكومي مقترحة ومنفذة، ثم خرجت دونما مشروع مهم. هلّا نسأل عن من جعلها تهرب وتعود إدراجها من حيث أتت؟ وإذا كانت شركة هيل انترنشونال التي استقدمها المحافظ لغرض المشورة والاشراف والمتابعة، وقال عنها بانها المنقذ الأوحد للبصرة لم تعمل شيئا للنهر، القريب جدا من مكتبها ، ترى عن أي مشورة ومتابعة وإشراف نتحدث ؟
لا يجد المواطن البسيط غرابة في عجز واهمال الحكومة لمشاريع بسيطة مثل تنظيف نهر العشار والخندق وشط الترك والخورة وغيرها، لا لشيء، إنما لأنها لا تمثل الشعب البصري -فأعضاؤها، وجلّهم من غير مواطنيها الأصليين- لا يفهمون من فن إدارة المدن شيئا، وهم عاجزون عن فعل أي مشروع حقيقي لبيوتهم، فمن يتجول في شوارع وأزقة الضواحي (الراقية) مثل ضاحية الجزائر والطويسة والبراضعية والجنينة يجد العجب العجاب، فأسعار البيوت في الضواحي هذه أقرب إلى الخرافة، غالية جداً، وتعد بالمليارات من الدنانير، لكننا لا نجد شارعا واحداً نظيفا، لا نجد زقاقا دونما بركة ومستقنع وحفرة، والمتجول فيها لا يفاجأ بمنظر الكلاب السائبة والمواشي وعربات الخيول والحمير والبيارق الممزقة وباعة الخردوات وهم ينادون بأصواتهم على كل ما هو بخس وحقير من الأشياء.
الحرص على رعاية قيم الجمال والذي منه التأكيد على تنظيف نهر، والعناية بشارع، والتفاخر بحديقة منزل والخروج بملابس أنيقة والتعامل مع الناس بدبلوماسية وأدب وما إلى ذلك من أعمال التحضر والمدنية، إنما هو نتاج حكّام عقلاء، متحضرين، انحدروا من أسر ترفعت عن الصغائر، وطهارة اليد بينهم سجية وفطرة، وعفّة النفس لديهم متواترة، غير مصطنعة. تربّوا على ممارسة السلطة، من خلال التهذيب والرقي وأفعال الخير وبناء المجتمعات، بما يليق بالإنسان المعاصر. وإني لأقسم بأغلظ الأيمان: أنْ ليس من بين هؤلاء مَنْ هو بالصفات الحميدة تلك.إلا ما رحم ربي.
أوساخ نهر العشار دالة على فشل حكومة البصرة
[post-views]
نشر في: 12 مارس, 2016: 09:01 م